الخطبة الأولى
  فإننا نجدُ كلَّ شيءٍ يعظمُ بِعِظَمِ فاعلِه، ويكبرُ بكِبَرِ صانعِه، فكلما كان الْمُنشئُ له غنيًا ومتمكنًا وذا خبرةٍ وكفاءةٍ كلما كان ما يفعلُه أكملَ وأعظمَ شأناً من غيرِه، وهؤلاء كلُّهم خلقٌ فقراءُ في جنبِ اللهِ الغنيِّ الحميدِ القادرِ الحكيمِ العليمِ، الذي إذا أعدَّ شيئًا فإنه لا محالةَ سيكونُ على أعظمِ هيئةٍ وأكملِ صورةِ فتباركَ اللهُ ِأحسنُ الخالقين.
  فقد خلقَ الجنةَ وأعدَّها، وأتقنَ خلقَها، وأحسنَ بِناها، وأبدعَ نظامَها، وعظّمَ شأنَها والعظيمُ لا يعظمُ ما شأنُه الحقارةُ والخِسَّةُ، تعالى اللهُ عما يصفون.
  عبدَ اللهِ:
  تأملْ في هذه الدنيا بما حوتْ من زينةٍ ومناظرَ خلابةٍ وملاذَّ وشهواتٍ.
  انظرْ وتأملِ تلك المدنَ العظيمةَ والمباني العاليةَ التي تُناطحُ السحابَ، انظرْ إلى تلك البساتينِ الخضراءِ، والحدائقِ والملاهي والمنتزهاتِ التي تَسحرُ الألبابَ وتحارُ في جمالِها العقولُ.
  تأملْ تلك المناظرَ البديعةَ والفنادقَ الرائعةَ بما حوتْ من المجالسِ والأسِرّةِ والغرفِ المكيفةِ والفرشِ الناعمةِ والتي يخيلُ للناظرِ إليها أنه في حُلُمٍ لا حقيقةٍ مع أنَّ كلَّ ذلك من متاعِ الدنيا ومن صنعِ البشرِ.
  وانظرْ فيما هناك من ترفٍ ورغدِ عيشٍ يتقلبُ فيه الأمراءُ والملوكُ وأهلُ الثرواتِ من الأغنياءِ من مأكولاتٍ وملذاتٍ وشهواتٍ وطيباتٍ من فواكهَ وأطعمةٍ ومشروباتٍ، ومركوباتٍ من دوابٍّ وسياراتٍ وطائراتٍ وغواصاتٍ وملاهي وحدائقَ، ومسابحَ وقصورٍ ومنتزهاتٍ وكلِّ ما لَذَّ وطابَ من المآكلِ والمشاربِ التي لا نتصورُها ولا تخطرُ لنا على بالٍ.
  عباد الله: -
  كلُّ مَن تأملَ في تلك الملذاتِ في الدنيا وما حوتْ من زينةٍ وبهارجَ يتساءلُ قائلاً: كيفَ الجنة؟