الخطبة الثانية
  وهذا الخُلُق السيئُ الذي هو الظلمُ قد جعلتْ مِنهُ الملائكةُ سببًا للقدحِ في أحقيةِ المستخلَفِ إذا اتصفَ بهِ فـ {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} أي: أن مَن كانَ هذا طبعَهُ فليس بأهلٍ للخلافةِ ولا مستحقًّا لها.
  فالظلمُ - عباد الله - أمرٌ تمجُّهُ الطباعُ، وتنكرُهُ العقولُ، وتنفرُ منه الفطرةُ السليمةُ، بغضِّ النظرِ عن الشرعِ والدينِ.
  بحيثُ تمقتُ صاحبَهُ وتزدريهِ، وتراه غيرَ أهلٍ لأنْ يكونَ خليفةً للهِ أو وصيًّا على غيرِهِ، يحكمُ بهذا العقلُ والفطرةُ.
  فقال: {قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ}
  فالتجبرُ والظلمُ تنافي الإصلاحَ الذي هو ثمرةُ الاستخلافِ.
  ويشهدُ لذلك قولُ نبيِّ اللهِ عيسى # عندما أنطقَهُ اللهُ على رؤوسِ الملأِ مبينًا للمبدإِ الذي جاءَ بهِ مِن عندِ اللهِ {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ٣٠ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ٣١ وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} أي: لم يرسلْهُ اللهُ جباراً شقيًّا، بل خليفةً مصلحاً عبداً نبيًّا.
  فالحاكمُ الظالمُ الباغي مصيرُهُ الذلةُ والهزيمةُ في الدنيا، وعاقبتُهُ النارُ في الآخرةِ، كما قالَ تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.
  والحاكمُ المصلحُ العادلُ موعودٌ بالنصرِ والغلبةِ كما قالَ تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً}، فالوعدُ هنا لِمَن آمنَ وعملَ صالحًا، والمؤمنُ لا يكونُ إلا عدلًا،