سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 56 - الجزء 1

  وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۝ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}.

  أفكلُّ هذا مسخرٌ للإنسان؟

  أفكلُّ هذا الكونِ الهائلِ مسخرٌ لهذا المخلوقِ الصغيرِ؟

  السمواتُ ينزلُ منها الماءُ، والأرضُ تتلقاه، والثمارُ تخرجُ من بينهما، والفُلْكُ تجري في البحرِ مسخرةً بأمرِه، والأنهارُ تجري، والأرزاقُ تجري في مصلحةِ الإنسانِ، والشمسُ والقمرُ يتعاقبانِ، والليلُ والنهارُ لا يفتران.

  أفكلُّ ذلك للإنسانِ ثم لا يشكرُ، ولا يذكرُ؟

  أفكلُّ ذلك للإنسانِ المعرضِ عن اللهِ سبحانَه؟ أفكلُّ ذلِك للإنسان الظلومِ الكَفَّار؟ الذي يَظلِم نفسَه بما يرتكبُه من معاصي اللهِ سبحانه، {إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}.

  نعم، أيها الإخوةُ إنَّ اللهَ سبحانه وتعالى خلقَ الكونَ كلَّه من أجلِك أيها الإنسانُ المعرضُ عنِ اللهِ، وخلقَكَ أيها الإنسانُ من أجلِ ماذا؟

  هل خلقك اللهُ أيها الإنسانُ من أجلِ أن تُضيعَ عمرَك - الذي هو فرصةٌ ذهبيةٌ لا تتعوض، ولا ثمنَ لها إلا الجنةُ، أو النارُ - في معاصي اللهِ سبحانه وتعالى؟

  هل خلقك اللهُ لتضيعَ عمرَكَ في الغيبةِ والنميمةِ، وهتكِ أعراضِ الناسِ؟ هل خلقك اللهُ لتضيعَ عمرَك في خدمةِ الدنيا وعمارتِها، والانشغالِ بأعراضِها وحاجاتِها؟ لا واللهِ إن اللهَ لم يخلقْنا لهذا، وإنما خَلَقَنا لهدفٍ رفيعٍ، وعالٍ، وهو عبادةُ الله وطاعتُه، كما قالَ تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ۝ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}.