الخطبة الأولى
  أيها الإخوةُ المسلمون إن اللهَ سبحانَه وتعالى لم يخلقْنا لعِباً، ولا عبثاً، ولم يتركْنا سُدىً كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.
  فبالله عليكم ما هذه الغفلةُ التي نحنُ فيها؟ باللهِ عليكم ما هذه القسوةُ التي قد سيطرت على قلوبِنا؟
  عبادَ الله: يجبُ أن نتأملَ عندَ ما يخلقُ اللهُ الإنسانَ من العدمِ، ويتفضلُ عليه بجميعِ النعمِ، يخلق السمواتِ من أجلِه، ويخلق الأرضَ والثمارَ من أجلِه، ويخلقُ الكونَ وما فيه من أجلِه، ثم يعصيه الإنسانُ ويخالفُ أوامرَه، أهكذا نشكرُ نعمَ اللهِ؟
  أنشكرُ نِعَمَ اللهِ سبحانَه بالغيبةِ والنميمةِ، وهتكِ أعراضِ الناس؟
  أنشكرُ نِعَمَ اللهِ بأذيةِ الجيران؟
  أنشكرُ نِعَمَ اللهِ بالتشاجرِ والتناحرِ فيما بيننا؟
  أنشكرُ نِعَمَ اللهِ بالغشِ والمكرِ والخديعةِ؟
  أنشكرُ نِعَمَ اللهِ بالكذبِ، وقولِ الزورِ؟
  أنشكرُ نِعَمَ اللهِ بالاستماعِ إلى اللهوِ واللعبِ والأغاني؟
  أهكذا نجازي اللهَ على نعمِه؟ أمِنَ الإنصافِ أن يحسنَ اللهُ إلينا بكلِّ أنواعِ الإحسانِ ونحن نقابلُ ذلك بكلِّ أنواعِ الإساءةِ إلى اللهِ؟ مِن غيرِ خوفٍ ولا خجلٍ، ولا حياءٍ من اللهِ، القائلِ: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}.
  فباللهِ عليكم أبعدَ هذهِ القسوةِ قسوةٌ؟
  باللهِ عليكم أبعدَ هذه الغفلةِ غفلةٌ؟ باللهِ عليكم أبعدَ هذا الإعراضِ عن الله إعراضٌ؟
  يُروى عن النبي ÷ أنه كان يقولُ: «يقولُ اللهُ تعالى في الحديثِ القدسي: يا ابن آدم، ما تنصفني؛ أتَحَبَّبُ إليكَ بالنعمِ، وتَتَمَقَّتُ إليَّ بالمعاصي، خيري عليكَ منزلٌ وشَرُّكَ إليَّ صاعدٌ، ولا يزالُ مَلَكٌ كريمٌ يأتيني عنك في كلِّ يومٍ وليلةٍ