سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 58 - الجزء 1

  بعملٍ قبيحٍ، يا ابنَ آدم، لو سمعتَ وصفكَ من غيرِك، وأنت لا تدري مَن الموصوفُ لسارعتَ إلى مقتِه».

  فما بالنا يا عبادَ الله قد خيمت علينا هذه الغفلةُ، والقسوةُ؟

  أما آنَ لنا أن نفيقَ من غفلتِنا وقسوتِنا؟

  أما آنَ لنا أن نفيقَ من سُباتِنا، ورَقدَتِنا؟

  أما آنَ لنا أن نرجعَ إلى اللهَ بقلوبٍ صادقةٍ؟

  أما آنَ لنا أن نرجعَ إلى اللهِ بقلوبٍ طاهرةٍ من الغلِّ والحقدِ والحسدِ والبغضاءِ؟

  أما آن لنا أن نرجعَ إلى اللهِ سبحانَه ما دُمنا في دارِ الرجوعِ والإنابةِ؟ من قبلِ أن تقولَ نفسٌ: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.

  أما آنَ لنا أن نرجعَ إلى اللهِ؟ من قبلِ أن يقولَ الإنسانُ: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ}؟ ..

  أيها الإخوةُ إن القرآنَ يخاطبُنا نحنُ، ولكن نحن عند ما نقرأُ القرآنَ لا نتعظُ بمواعظِه، ولا نأتمرُ بأوامِرِه، ولا ننزجرُ بزواجِرِه، إن من الغفلةِ ومِن القسوةِ ومِن الرّانِ الذي قد غطى على قلوبِنا أننا حينما نقرأ القرآنَ، نقرأُ آياتِه وكأن المرادَ بها غيرُنا، أمَّا نحنُ فكأننا لسنا المقصودين بهذا، نسمعُ بالموتِ وكأنَ الموتَ لم يُكْتَبْ إلا على الذين من قبلِنا، أما نحن فكأنا مخلدون بعدَهم، فنحنُ كما قالَ الرسولُ الأعظمُ ÷: «أَيُّهَا النَّاسُ كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ، وَكَأَنَّ الحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ، وَكَأَنَّ الَّذِي نُشيِّعُ مِنَ الأَمْواتِ سَفْرٌ عَمَّا قَليْلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ، نُبَوِّئُهُم أَجْدَاثَهُمْ، وَنَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ، كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ بَعْدَهَمُ، نَسِينَا كُلَّ