الخطبة الأولى
  نَشَأَ عليٌّ # لا يعرفُ سوى رسولِ اللهِ، يتعلمُ منه الصدقَ والأمانةَ وعفةَ النفسِ ومكارمَ الأخلاقِ.
  لم يختلطْ برفقاءِ السوءَ من شبابِ مكةَ، ولم يلجْ دورَ اللهوِ والغناءِ، ولم يعرفْ لعبَ الميسرِ ولا القمارَ ولا الخناءَ ولا السمرَ مع الراقصاتِ العاهراتِ، ولا ذاقَ المحرماتِ ولا شربَ المسكراتِ، بل كان مع رسولِ اللهِ وفي رفقتِهِ لا يفارقُهُ، حتى الأصنامُ التي تعجُّ بها أفنيةُ الحرمِ حولَ الكعبةِ التي يؤمُّها الناسُ بالذبائحِ والقرابينَ ساجدين لها وراكعين كان عليٌّ # بعيداً عنها يمقتُها ويبغضهُا، بل إنه لم يطأطئْ رأسَهَ لصنمٍ قطْ، ولم ينحنِ عنقُهُ أبداً لغيرِ اللهِ ø.
  ولأجل ذلك يقالُ إذا ذُكِرَ اسمُ عليٍّ: «كرم الله وجهه» أي: شرفَهُ وأعَزَّهُ عن أن يسجدَ لغيرِ اللهِ.
  هكذا تعلمَ # من رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وهكذا رَبَّاهُ الصادقُ الأمينُ، وهذا كلُّه كان قبلَ البعثةِ وقبلَ نزولِ الوحي على رسولِ اللهِ ÷.
  عبادَ الله:
  إنه لشرفٌ عظيمٌ أن يحظى رجلٌ بصحبةِ رسولِ اللهِ وأن يعيشَ بقربِهِ وأن يكحلَ ناظريه بطلعتِهِ البهيةِ.
  فلقد كان المسلمون يتزاحمون حولَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، يتشرفون بقربِهِ ويتبركون بلمسِ جسدِهِ ويتسابقون على ما تَبَقَّى من ماءِ وضوئِهِ.
  بل كانوا يتبركون بعرقِهِ وبصاقِهِ، إن حَلَقَ شعرَهُ تقاسموه، وإن بَصَقَ مسحوه، يتفاخرون بقطعةٍ من ثوبِهِ، ويتسابقون على قلامةِ أظفارِهِ.
  بل لقد بلغَ من حبِّهم له وتعظيمِهم لمقامِهِ أن يتبركوا بترابِ نعلِهِ وما وطئتْهُ قدمُهُ الشريفةُ، لم يتركوا عصاً لمسَها إلا أخذوها ولا حجراً جلسَ عليها إلا حفظوها، كان الواحدُ منهم يفتخرُ على أقرانِهِ بأنه حَظِيَ بجلسةِ انفردَ بها مع