الخطبة الأولى
  رسولِ اللهِ، أو وهبَ له شيئاً من ثيابِهِ أو صاحَبَهُ في سفرٍ أو آكلَهُ طعامَهُ أو دخلَ معه بيتَهُ ونحو ذلك مما يُعَدَّ مفخرةً وكرامةً يتباهى بها الصحابةُ فيما بينهم، ولكن أين كل هذا مما كان يحظى به عليٌّ # وما كان يختصُّهُ بهِ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فقد كان يلبسُهُ ثيابَهُ ويركبُهُ دابتَهُ ويجلسُهُ في حجرِهِ ويؤاكلُهُ طعامَهُ ويشاركُهُ شرابَهُ، حتى اللقمة كان يمضغُها له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ويخلطُها بريقِهِ ثم يطعمُهُ إياها، وكان يسكنُهُ في بيتِهِ وينامُ في فراشِهِ ويتسلى بكلامِهِ ويكاتمُهُ سرَّهُ ويبوحُ له بما في صدرِهِ، واستمرا على هذا المنوالِ لسنواتٍ عديدةٍ، فأيُّ فخرٍ وأيُّ شرفٍ بعد هذا.
  صنو النبي ووصيه يا حبذا ... صنوان قد وشجتهما الأعراقُ
  بأبي وبي وبخالدي وبتالدي ... تشفى بترب نعاله الأحداقُ
  عبادَ الله:
  لقد كان عليٌّ # لرسولِ اللهِ سندَهُ وذراعَهُ، يشاورُهُ أمرَهُ، وإليه يشكو همَّهُ حتى بعد نزولِ الوحي على رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وعلى ما كان يواجهُهُ من أذى قريشٍ لم يكن هناك من يشدُّ أزرَهُ ويسليه ويعزيه إلا عليٌّ # وخديجةُ رضوانُ اللهِ عليهما اللذان كانا له نِعْمَ العون، يواسيانه ويشجعانه، بل لقد كانا أولَ من آمنا به وصدَّقا برسالتِهِ، وبذلا كلَّ ما في وسعِهما في حمايتِهِ ونصرتِهِ، ولم يدعا أمرًا ولا وسيلةً فيها نصرةُ اللهِ ورسولِهِ إلا قدماها، وعندما ظهرَ أمرُ رسولِ اللهِ وانتشرَ خبرُهُ قامتْ في وجهِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قريشٌ وشهرتْ في وجههِ السلاحَ وأظهرتْ له العداءَ وتسلطوا عليه بالأذى والعذابِ وقذفوه بأقبحِ الألقابِ فسموه بالساحرِ والكذابِ وبالمجنونِ والكاهنِ حتى أذاقوه من العذابِ ألواناً، وتسلط عليه سفهاؤُهم من الصبيانِ والنساءِ بالشتمِ والسبِّ والأذى، ولم يدعوا وسيلةً فيها إهانةٌ لرسولِ اللهِ إلا فعلوها، فهذا يضعُ القاذوراتِ على رأسِهِ، وهذا يبصقُ في وجهِهِ، وهذا يضعُ الشوكَ على طريقِهِ، وتماماً فقد صَوَّرَ اللهُ حالَهم في قولِهِ تعالى: