سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 321 - الجزء 2

  {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

  عبادَ الله:

  لقد كان رسولُ اللهِ ÷ يعودُ إلى بيتِهِ منهكَ القوى مما تَعَرَّضَ له من الأذى والسخريةِ والاستهزاءِ، فمن له في محنتِهِ؟ ومن يقفُ بجانبِهِ ومن ينصرُهُ؟ وقد تكالبتْ عليه القبائلُ وتعاونت على إذلالِهِ أكابرُ القومِ مع الأصاغرِ، لقد كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ في أحوجِ ما يكونُ لمن يشدُّ عضدَهُ ويمسحُ دمعتَهُ ويخففُ عنه آلامَهُ، لقد أصبح وحيداً بين قومٍ لا يعرفون الرحمةَ، وهنا وفي هذه الساعةِ الحرجةِ وفي هذا الوقتِ العصيبِ يظهرُ دورُ الإمامِ عليٍّ وخديجةَ رضوانُ اللهِ عليهما، تمتدُ يدُ الإمامِ عليٍّ # وخديجةَ رضوانُ اللهِ عليهما إلى يدِ رسولِ اللهِ ليكونا له نِعْمَ العونِ في وقتٍ هو أحوجُ ما يكون فيه إلى نصرتِهما، حيث نالا شرفَ الوقوفِ إلى جانبِهِ يشاركانه آلامَهُ وأحزانَهُ في تحملِ أعباءِ تبليغِ الرسالةِ.

  فمدتْ خديجةُ رضوانُ اللهِ عليها يدَها إلى جميعِ ما تملكُ من الأموالِ ووضعتْها تحتَ تصرفِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ينفقُ منها كيف يشاءُ حتى أفنتْ أموالَها في سبيلِ النصرةِ لرسولِ اللهِ، وقد كانت مِن أكبرِ أثرياءِ قريشٍ. وشَحَذَ الإمامُ عليٌّ # سيفَهُ الذي لا يملكُ غيرَهُ، وجعلَ مِن نفسِهِ درعاً حامياً لعرضِ رسولِ اللهِ، ذائداً عن الإسلامِ، فقال في حقِّهما رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: «قامَ الإسلامُ على سيفِ عليٍّ ومالِ خديجةَ».

  {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

  فهنيئاً ثم هنيئاً ثم هنيئًا لهما بذلك الفضلِ وتلك الشهادةِ مِن رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، صَدَّقاه حين كذَّبَهُ الناسُ، ونصراه حين خذلَهُ الناسُ، وواسياه حين حَرَمَهُ الناسُ،