سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 325 - الجزء 2

  عبادَ الله:

  لقد بلغَ الإمامُ عليٌّ # حدًّا لا يوصفُ في الشجاعةِ وفاقَ الأقرانَ، شهدتْ له بذلك الفرسانُ، ولم يولِّ دبرَهُ في معركةٍ قط، ولم يتراجعْ في كرٍّ ولا إقدامٍ، وما أقدمَ في معركةٍ إلا عادَ ظافراً منصوراً. قَلِّبُوا صفحاتِ التاريخِ وسَلُوا المعاركَ عن صولاتِهِ، سلَ بدراً الكبرى مَن جندلَ فرسانَها وهزمَ أبطالَها، بل لقد بلغَ عددُ الذين قتلَهم أكثرَ مِن نصفِ مَن قُتِلَ من المشركين، وسلْ عنه أحداً حين ولَّى المسلمون الأدبارَ مَن قتلَ حملةَ ألويتِها، ومن وقفَ بجنبِ رسولِ اللهِ يدافعُ عنه حين فرَّ المسلمون، لقد جعلَ من نفسِهِ درعًا حصيناً لحمايةِ رسولِ اللهِ في أصعبِ المواقفِ وأحرجِ الساعاتِ يومَ أحدقَ المشركون برسولِ اللهِ وانهالتْ عليه السهامُ والرماحُ فَشُجَّ رأسُهُ وكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ والدماءُ تنزفُ مِن جسدِهِ الشريفِ، فلما أفاقَ جعلَ ينادي: «أكفني بهم يا عليُّ، عليك بهم يا عليُّ» وعليٌّ يذبُّ عنه المشركين ويفرقُهُم ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمالِ حتى غَرِقَ في الدماءِ واحمرتْ ثيابُهُ من الدماءِ.

  فلما رأى جبريل عليًّا @ صُنْعَ ما صَنَعَ قالَ: هذه المواساةُ يا رسولَ اللهِ، فقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: «إنه مني وأنا منه»، فقال جبرائيل #: وأنا منكما. وقد رُوي أنه سُمعَ صوتٌ يومَ أحدٍ مِن قِبَلِ السماءِ يُنادي: «لا سيفَ إلا ذو الفقارِ ولا فتىً إلا علي»، وأنزلَ اللهُ في ذلك آيةً يُعاتبُ فيها المسلمينَ حينَ فَرُّوا وتركوا رسولَهُ قائلاً: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}.

  سَلْ عنه يومَ الخندقِ مع الأحزابِ، سلْ عنه يومَ برزَ عمرو بنُ عبدِ ودٍّ العامري حينَ هابتْهُ الأبطالُ وأحجمتْ دونَهَ الفرسانُ وهو ينادي للمبارزةِ، ورسولُ اللهِ ينادي: «مَن يبرزُ له وأنا أضمنُ له الجنةَ؟» فلم يبرزْ له سوى عليٍّ # رغمَ صغرِ سِنِّهِ، فقالَ في حقِّهِ ÷: «بَرَزَ الإسلامُ كلُّهُ للشركِ كلِّهِ» والتحمتِ المعركةُ