سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 327 - الجزء 2

  عليًّا يقاتل ليطاع ويتصرف في الأموال والأنفس، بل لقد كان جُلُّ همِّهِ هو خدمةُ الدينِ وإعلاءُ كلمةِ التوحيدِ.

  فالإمامُ عليٌّ # كان من أزهدِ الناسِ في الدنيا، فكان لا يملكُ منها قليلاً ولا كثيراً إلا ثوباً قد رَقَّعَهُ حتى استحيا من راقعِهِ، وهو الذي طَلَّقَ الدنيا ثلاثاً فقال: «يا دنيا، غُرِّي غَيْرِي، أبي تعرضْتِ أم إليَّ تشوقْتِ؟ هيهاتَ هيهاتَ، قد أبَنْتُكِ ثلاثاً لا رجعةَ لي فيك، فعمرُكِ قصيرٌ، وعيشُكِ حقيرٌ، وخطرُكِ كبيرٌ، آهٍ مِن قلةِ الزادِ وبُعْدِ السفرِ وعظمِ الموردِ». ومِن مواقفِهِ # التي تُبينُ مدى حرصِهِ على إقامةِ العدلِ والمساواةِ وإحقاقِ الحقِّ قولُهُ: (واللهِ لئن أَبِيْتَ على حَسَكِ السعدانِ مسهداً وأجرُّ في الأغلالِ مصفداً أحبُّ إليَّ مِن أنْ ألقى اللهَ ورسولَهُ يومَ القيامةِ ظالماً لبعضِ العبادِ وغاصباً لشيءٍ من الحطامِ).

  واسمعوا إليه وهو يُقسمُ باللهِ حيث يقول #: (واللهِ لو أعطيتُ الأقاليمَ السبعةَ بما تحت أفلاكِها على أن أعصي اللهَ في نملةٍ أسلبُها جلبَ شعيرةٍ ما فعلتُ، وإنَّ دنياكم عندي لأهونُ من ورقةٍ في فَمِ جرادةٍ تقضمُها).

  اللهُ أكبرُ ما أعظمَها مِن نفوسٍ، وما أعظمَ ذلك الإيمان الذي انطوى عليه قلبُ الإمامِ عليٍّ #، إنها نتاجُ تربيةِ رسولِ اللهِ وثمارُ آدابِهِ التي علَّمَهُ إياها وأدَّبَهُ بها.

  فهل رأيت مثله خطيبا ... منهم وإلا ناطقًا غريبا

  أو بادئًا في العلم أو مجيبا ... أو واعظًا من خشية منيبا

  عبادَ الله:

  إن الحديثَ عن عليٍّ # ومواقفِهِ ذو شجونٍ، ولكن في القليلِ الكفايةَ، ولنختم سيرتَهُ العطرةَ بهذه القصةِ الطريفةِ التي تُبينُ مدى عدلِهِ #، وذلك حين وجدَ درعَهُ عندَ رجلٍ من أهلِ الكتابِ، عبدَ اللهِ تصورْ هذا الموقفَ ما أروعَهُ، وتابعْ أحداثَ هذا المشهدِ ما أبدعَهُ، إنه نزاعٌ وشجارٌ بين أميرِ المؤمنين