الخطبة الأولى
  ونقتبسَ من سيرِهم العبرَ، ونستلْهِمَ من حياتِهم عبقَ الإيمانِ، لا بد من الاطلاعِ على سيرِ حياتِهم ومعاملاتِهم وعباداتِهم لأنهم أسوتُنا وقدوتُنا ونبراسُ التقوى الذي نستضيءُ بنورِهِ، ونسيرُ على خطاه، ليكونَ المرءُ على بصيرةٍ في دينِهِ، وعلى معرفةٍ بمبدئِهِ، واثقًا من نهجِ إمامِهِ الذي يقلدُهُ في أمورِ دينِهِ، يومَ يدعى كلُّ أناسٍ بإمامِهم؛ لِمَا ورد عن المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أنه قال: «إنَّ هذا العلمَ دينٌ فانظروا عمن تأخذونَ دينَكم عنه».
  ولا نكن همجًا رعاعًا أتباعَ كلِّ ناعقٍ، جهلاءَ بمعالمِ دينِنا وتاريخِ قادتِنا ومن نقلدُهُم من الأئمةِ والعلماءِ، بل لقد حثَّ اللهُ في كتابِهِ على التدبرِ في سيرِ القرونِ الخاليةِ والاعتبارِ بأخبارِهم، قالَ تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ}.
  إن دراسةَ التاريخِ ليست مجردَ قصصٍ للتَّسلي نقطعُ بها وقتَ فراغِنا، وليست أساطيرَ وخرافاتٍ حاكتها أناملُ الخيالِ، بل إنها قصصٌ نيراتٌ، وسيرٌ خالدةٌ وحقيقيةٌ واقعيةٌ، صاغتها صراعاتٌ مريرةٌ بين الحقِّ والباطلِ بين أمواجِ الحياةِ المرةِ، وخطتها أسنةُ الرماحِ بالدماءِ على صدورِ الرجالِ، في السهولِ والجبالِ بجماجمَ وأشلاءَ وأنهارٍ من الدماءِ سفكتْ ظلمًا على وجهِ هذه الأرضِ.
  عبادَ الله:
  خذوا من أخبارِ الطغاةِ الظالمين العظةَ والعبرةَ، واجتنبوا مناهجَهم، وأعلنوا للهِ بعداوتِهم والبراءةِ منهم ومن أفعالِهم فإن المرءَ قد يشاركُ الظالمَ في ظلمِهِ إذا رَضِيَ بفعالِهِ وإن تأخرَ بهِ الزمنُ ونأى به المكانُ، وإن المرءَ قد يشاركُ الصالحين في جهادِهم وإرشادِهم ويكتبُ له من الأجرِ مثلُ ما لهم وذلك بولائِهِ لهم ورضاه بفعالِهم وصالحِ أعمالِهم.
  فعلينا أن نعلنَ الولايةَ والمودةَ لأولياءِ اللهِ، ونعلنَ بالعداوةِ والبراءةِ من كلِّ ظالمٍ وطاغيةٍ متعدٍّ لحدودِ اللهِ.