سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 72 - الجزء 1

  {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، ونبتهلُ إلى اللهِ في ضراعةٍ بألسنةٍ فصيحةٍ وقلوبٍ غافلةٍ، بأن يدلَّنا ويبينَ لنا طريقَه وصراطَه، ومنهجَه الواضحَ المستقيمَ الذي لا عوجَ فيه، و نسألُه أن يُلهمَنا ما يجبُ لنا وعلينا لنتبعَه ونقتفيَ أثرَه، وما يحرمُ علينا لنتركَه ونجتنبَه، ونسألُه أن يهديَنا إلى سُننِ الأنبياءِ والرسلِ من أوليائِه الذين أنعمَ عليهم بالهدايةِ والتوفيقِ.

  ندعو بذلك الدعاءِ بألسنتِنا ولا نتدبرُ ذلك بعقولِنا وقلوبِنا، ولا نفقهٌ كثيراً مما نقولُ.

  عبادَ الله: إنَّ القولَ المجردَ في منظورِ الشرعِ لا عبرةَ بِه، ما لم يكنْ نابعاً من صميمِ القلبِ وصدَّقَه العملُ. وإلَّا فهو باطلٌ {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}. من العجيبِ أنْ يسألَ المرءُ ربَّه الهدايةَ إلى واضحِ الطريقِ والتوفيقَ إلى أقومِ السُبُلِ، وأن يجنبَه سبلَ الشياطينِ والغواةِ من حزبِه، يقولُ ذلك بلسانِه في صلاتِه وبين يدي ربِّه، وحالَ مناجاتِه وتلاوتِه، بينما قلبُه غافلٌ ساهٍ لاهٍ عن ما ينطقُه لسانُه.

  فلسانُه في وادٍ وقلبُه في وادٍ آخرَ.

  لسانُه يسألُ الهدايةَ ويستجيرُ من الغوايةِ.

  وقلبُه يحيكُ الحيلَ، وينصبُ المكائدَ، يفكرُ كيف يأخذُ مالَ هذا، وكيفَ يخدعُ ذاك، وكيف يدّعي ويتقي، بل كيف يعصي وأين يعصي وبمن يعصي؟ حتى يخرجَ من صلاتِه لا يعلمُ ما قرأَ فيها ولا كم ركعَ فيها.

  أيُّ سخريةٍ وأيُّ استهزاءٍ هذه الصلاة، أيُّ دينٍ وأيُّ إيمانٍ يَدَّعيه هؤلاء الغافلون، حتى بينَ يدي اللهِ وفي بيوت الله يتملَّقون بألسنتِهم ويُضمرون الشرَّ في قلوبِهم.

  هل يا تُرى صدَّقَ هؤلاءِ بأنَّ اللهَ يعلمُ خائنةَ الأعينِ وما تخفي الصدور؟ وهو القائلُ: {أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}.

  هل آمنوا بعلمِ اللهِ الذي لا يعزبُ عنه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ؟