الخطبة الثانية
  ألم يسمعوا قولَ اللهِ تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} فعللَ اللهُ نهيَه عن أداءِ الصلاةِ حالَ السكرِ حتى يعيَ المصلي ما يقولُ ويعرفَ بما يتكلمُ، ولقد فسرَ بعضُ العلماءِ السكارَ في هذه الآيةِ أن المرادَ به شدةُ النومِ وغلبتُه، بحيثُ لا يعي المصلي ما يقولُ، فنهى عن الصلاةِ في حالِ ذهولِ الإنسانِ وضياعِ عقلِه، بحيثُ أنه لا يعلمُ ما يقولُ، ولا ما يقرأُ ولا كم يصلي.
  عبادَ الله: غفلنا ولم نشعرْ أننا غفلنا، جرفتنا الأهواءُ وانسقنا وراء الدنيا قلباً وقالباً، وتملَّكَ حبُّها في جوانِحِنا، وتمكن في أحشائِنا، فلم يبقَ لنا في الدينِ والآخرةِ أيُّ رغبةٍ، فعميتْ أبصارُنا وزيّنَ لنا الشيطانُ سوءَ أعمالِنا، وغرتْنا الأماني وغرنا باللهِ الغرورُ، وإنا لنخشى أن نُصبحَ من الأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيُهم في الحياةِ الدنيا وهم يحسِبون أنهم يُحسنِون صنعا.
  فلا بُدَّ لنا من تقويةِ علاقتِنا بربِنا، وتوثيقِ عُرى الإيمانِ في نفوسِنا، حتى نَصْدقَ مع اللهِ ومع رسولِه ومع أنفسِنا، حتى تصفوَ بواطِنُنا، وتكون مرآةً صادقةً مع أعمالِنا وأقوالِنا، ونقدم بها على ربِّنا ومولانا راضيةً مرضيّاً عنها مقبولةً منا، نسعدُ بها مع السُعداءِ يوم العَرْضِ والنشورِ.
  عبادَ الله: إنكم في يومٍ عظيمٍ ويومِ عيدٍ كريمٍ شرفَه اللهُ وكرمَه على سائرِ الليالي والأيامِ، فأكثروا فيه من الصلاةِ والسلامِ على نبيِّكم خيرِ الأنامِ امتثالاً لأمرِ اللهِ القائلِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
  اللهم فصلِّ وسلمْ وباركْ وترحمْ على عبدِك ونبيِّك وخيرتِك من خلقِك أبي الطيبِ والطاهرِ والقاسمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عبدٍ المطلبِ بنِ هاشمٍ، وصلِّ اللهمَّ وسَلِّم على أخيهِ وابنِ عمِه وبابِ مدينةِ علمهِ أشجعِ طاعنٍ وضاربٍ عليِ ابنِ أبي طالبٍ وعلى زوجتِه الحوراءِ خامسةِ أهلِ الكساءِ فاطمةَ البتولِ الزهراءِ، وصلِّ اللهم وسلمْ على وَلَدَيهما الإمامينِ الأعظمينِ أبي محمدٍ الحسنِ وأبي عبدِ اللهِ