سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 75 - الجزء 1

[٧] - مراتب الإيمان

الخطبة الأولى

  

  الحمد للهِ الذي يقضي بالحقِّ ويحكمُ بالعدل، ويهدي من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ، يقدّرُ الأمورَ بحكمةٍ، ويحكمُ بالشرائعِ لحكمةٍ، وهو الحكيمُ العليمُ، أرسلَ الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزلَ معهم الكتابَ ليحكمَ بينَ الناسِ فيما اختلفوا فيه، وليقومَ الناسُ بالقسطِ، ويؤتوا كلَّ ذي حقٍّ حقَه من غيرِ غلوٍّ ولا تقصيرٍ.

  وأشهد ألّا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٍ.

  وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين من يومِنا هذا إلى يومِ الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً، وبعد:

  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.

  عبد الله: اعلم بأن النفسَ بطبيعتِها كسولةٌ عن الطاعاتِ جموحةٌ طموحةٌ إلى الشهواتِ واللذاتِ. لا يثني جموحَها عن رغبتِها عزُّها. فمَن وُفِّقَ لقمعِها نال المُنى، ونفسَه بنى، ومن أرخى لها العنان ألقت به إلى سبلِ الهلاكِ والردى، ونفسَه هدمَ وما بنى.

  ومن هجرَ اللذاتِ نال المنى ... ومن أكبَّ على اللذاتِ عظَّ على اليد

  فَفِي قَمْعِ أَهْوَاءِ النُفُوسِ اعْتِزَازُهَا ... وفي نَيْلِها ما تشتهِي ذلُّ سَرْمَد

  فلا تشتغلْ إلا بما فيه العُلى ... ولا تَرضَ للنفسِ النفيسةِ بالرَّدِي

  وعلى هذا فالناسُ يختلفونَ في بناءِ أنفسِهم، فمنهم من بناها على تقوى من اللهِ ورضوانٍ، ومنهم من بناها على شفا جُرُفٍ هارٍ فانهارَ به في نارِ جهنمَ، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.