سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 77 - الجزء 1

  إن الدينَ هو الإيمانُ، إن الدينَ عندَ اللهِ الإسلامُ، قولٌ باللسانِ واعتقادٌ بالجنانِ وعملٌ بالأركانِ، فهل وقرَ الإيمانُ في قلبِك عبدَ الله؟ هل تمكنَ في أحشائِك ومَلِكَ لبَّك واطمأنت إليه نفسُك؟ أم كما قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}.

  إن الإيمانَ إذا استحكمَ في النفوسِ، ووقرَ في القلوبِ، فإنه يشحنُ صاحبَه بقوةٍ وإرادةٍ وعزيمةٍ لا يفلها الحديدُ، ولا يتسربُ إليها شكٌ ولا ريب، ولا خوفٌ ولا وجلٌ.

  تنعشه بالطاقةِ والحيويةِ والنشاطِ، فتراه يُقْبِلُ على الطاعةِ والعبادةِ في مسرةٍ وطمأنينةٍ ولذةٍ، لا يتسربُ إلى قلبِه كللٌ ولا مللٌ. أيقنَ بأنَّه عبدٌ لله، وأن الحياةَ سفرٌ إلى جنةٍ أو إلى نارٍ، فشغلَ وقته بجمع الزادِ، والتأهبِ ليومِ المعادِ، فلا تراه إلا تالياً للقرآن، مسابقاً بالإحسانِ، محافظاً على الصلاةِ، لسانُه مشغولٌ بذكرِ اللهِ، وقلبُه معلقٌ باللهِ، راحتُه في طاعةِ اللهِ وقُربِه. ووحشتُه في بُعْدِه عن اللهِ.

  عبدَ الله: إن الإيمانَ مراتبُ، منها القويُّ ومنها الضعيفُ، والصحيحُ والسقيمُ. هناكَ قومٌ أسّسوا إيمانَهم وبنوا أنفسَهم على قواعدَ متينةٍ راسخةٍ ثابتةٍ، لا تُزلزلُها المغرياتُ ولا تهزها النوائبُ، وهناك من أسسها على شفا جُرُفٍ هارٍ فانهارَ به في نارِ جهنمَ.

  {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ}، {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٢٢}.

  قال ÷: «المؤمنُ القويَّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلِّ خيرٍ»، إن المؤمنَ القويَّ لا تؤثرُ فيه المحنِ، ولا تحولُه الفتنُ. المؤمنُ القويُّ لا تغريه المطامعُ، ولا تستهويهِ الشهواتُ، المؤمنُ القويُّ لا يغيّرُه الهوى، ولا يثنيه البلاءُ، إنه سائرٌ على خطِّ الرسالةِ، مستقيمٌ على صراطِ اللهِ، لا يحيفُ