الخطبة الثانية
  يتحولُ عن مسارِه لأبسطِ عارضٍ يعرضُ له كما وصفه اللهُ بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ}.
  عبادَ الله: لقد قصَّ علينا اللهُ من أخبارِ الأولينَ وأحوالِهم وصبرِهم ما به عظةٌ وعبرةٌ وما فيه لنا أسوةٌ.
  ضربوا أروعَ المثلِ في التضحيةِ والفداءِ، وفي الصبرِ عند اللقاءِ، {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ١٤٦ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ١٤٧ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ١٤٧}، ثم دعاهم سبحانه وحذرهم من كيدِ الكافرين بقولِه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ١٤٩ بَلِ اللّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}.
  توجيهاتٌ إلهيةٌ يرسمُ خُطوطَها المولى ø، يبينُ لنا بأن وراءَنا من يكيدُ ويدبرُ للنيلِ منا، ويطمعُ في أن يردَّنا عن الدينِ، ولا يألو جهداً في تحقيقِ ذلك بالمالِ أو بالتهديدِ، ولو أدّى ذلك إلى إنزالِ أشدِّ أنواعِ العقوبةِ والعذابِ.
  كما في قصةِ آلِ ياسرٍ وقصةِ بلالٍ وصهيبٍ وخبابٍ وغيرِهم من أولئك المؤمنين الصادقين، الذين تحطمتْ أحلامُ قريشٍ على صخراتِ إيمانِهم الصمِّ، وباءَتْ كلُّ محاولاتِهم في إرجاعِهم بالفشلِ، كما قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
  لقد فهموا كلَّ ذلك فشحنوا قلوبَهم بالإيمانِ، وسقوها بالتقوى حتى امتلأت.