سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 133 - الجزء 1

الخطبة الثانية

  

  اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُشْهِدْ أَحَدَاً حِينَ فَطَرَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ، وَلَا اتَّخَذَ مُعِيناً حِينَ بَرَأَ النَّسَماتِ، لَمْ يُشارَكْ فِي الألوهِيَّةِ، وَلَمْ يُظَاهَرْ فِي الْوَحْدانِيَّةِ.

  كَلَّتِ الأَلْسُنُ عَنْ غايَةِ صِفَتِهِ، وَانْحَسَرَتِ الْعُقُولُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ، وَتَوَاضَعَتِ الْجَبابِرَةُ لِهَيْبَتِهِ، وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِخَشْيَتِهِ، وَانْقَادَ كُلُّ عَظِيمٍ لِعَظَمَتِهِ، رب لك الْحَمْدُ مُتَوَاتِراً مُتَّسِقاً، وَمُتَوَالِياً مُسْتَوْسِقَاً.

  وأشهد ألّا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له.

  وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه الذي أكرمه وبَجَّلَه، ونبيه الذي أرسله بكتابٍ أنزلَه، وأسمى فضلَه، وبين سُبُله ÷ ما كبر اللهَ عبدٌ وهَلَّله.

  أما بعد:

  عبادَ الله: لقد أبان اللهُ لنا بأنَّ له سبيلاً لا عوجَ له، وأنَّ للشياطينِ سبيلَ غيٍّ وضلالٍ.

  قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

  وهذا رسول الله ÷ يخبرُنا بأنَّ هذه الأمةَ ستفترق إلى نيفٍ وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة.

  إنَّ الأمرَ جدٌّ فجدّوا، والخطبَ جسيمٌ فشمروا {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}.

  ليست هذه الحياةُ إلا دارَ ربحٍ أو خسارةٍ لا غير، وخسارتُها فادحةٌ قاصمةٌ ليست خسارةَ مال، ولا خسارة َمتاعٍ ولا خسارةَ تجارة.

  إنها خسارةُ نفسٍ تتردى في دركاتِ لظى بين ثلاثِ شعب، لا ظليلٍ ولا يُغني من اللهب.