الخطبة الثانية
الخطبة الثانية
  
  الحمد لله الرحيم الرحمن، العظيمِ المنانِ، خلقَ الإنسانَ فصورَه، وعلى أتمِّ حالٍ قدرَه، فله الحمدُ على نعمةِ الإيمانِ، ومنة القرآن.
  ونشهدُ ألّا إله إلا اللهُ المنزهُ عن ظلمِ العبادِ، والمتعالي عن الأضدادِ والأندادِ، لا إله إلا هو العزيزُ الوهاب.
  ونشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه وخيرتُه من خلقِه، رباه فأحسنَ تربيتَه، وأدبه فأحسن تأديبَه، وأعلى شأنَه، وأعلى مقامَه، فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله الكرام من يومنا هذا إلى يوم الحشر والزحام.
  أما بعد:
  عبادَ الله: إن الناسَ في هذا الزمانِ الردي قد تغيرت بهم الأحوالُ وأحدقت بهم الأهوالُ. تراهم يهتمون بكل شيء، ويتسابقون في التعالي في هذه الدنيا، وألهاهم التكاثرُ عن المقابرِ و عن اليومِ الآخرِ فتراهم يسابقون وينافسون في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، مباهاة في كل شيء يسألون عن كلِّ شيءٍ ويبحثون في كل شيء حتى بلغوا مبلغاً كبيراً، في أمور الدنيا ووصلوا إلى معرفة كبيرة بكل صغيرة وكبيرة، في أمور الدنيا العاجلة، ولا يثنيهم عن ذلك حياءٌ ولا خجلٌ، ولا كللٌ ولا مللٌ كما قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} لا يقصرُ بهم أمرٌ في أمورِ الدنيا، وأما أمرُ الدينِ فهم به جاهلون، وعنه معرضون، يسألون عن كل شيء إلا عن أمور الدين والصلاة، يفهمون كلَّ شيء إلا الإسلام، يعرفون كلَّ شيء إلا القرآنَ والسنةَ،
  {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون.
  عبادَ الله: اللهُ ورسولُه قد أبانوا لنا النهجَ الذي نبني ونربي عليه أبنائَنا.