سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 276 - الجزء 1

الخطبة الثانية

  

  الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه نحمدُه حمدَ عبدٍ معترفٍ بفضلِه مقرٍ بسوابغِ نعمائِه وترادُفِ آلائِه، فله منا أبلغُ الحمدِ وأوفاه وأجزله وأنماه، عدد خلقه وزنة عرشه ومنتهي رضاه.

  واشهد ألّا إله غيرُه، ولا معبودَ لنا سواه، هو الأولُ والآخرُ والظاهرُ والباطنُ وهو بكلِّ شيءٍ عليمٍ، واحد أحد لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً ولم يكن له كفواً أحد.

  واشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه وخيرتُه من خلقِه المبعوثُ رحمهً للعالمين، فصلواتُ اللهِ عليه وعلى آله الطاهرين من يومنا هذا إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

  أما بعد: يقول الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.

  فالدنيا لها من اسمِها قسمٌ فهي دنيئةٌ وضيعةٌ، عمرُها قصيرٌ وخيرُها يسيرٌ وعيشُها حقيرٌ وصاحبُها فقيرٌ، لا يشبعُ طالبُها ولا يقنعُ مالكُها، لم يمتدحها اللهُ في آيةٍ ولم يثنِ على أحدٍ من أهلها، بل ذمها وذم خطابها في كثير من الآيات، فهي غرارة مكارة، هلك كثير من الخلق على أبوابها وفُتنوا بزينتها، فكم من عاشق لها قتلته، وكم من خاطب لها فتنته، وكم من مطمئن إليها أردته، يقول عنها المصطفى ÷: «حب الدنيا رأس كل خطيئة» فكل معصية والدنيا سببها، وكل فتنة وحب الدنيا أصلها.

  ولو لا حبُّ الدنيا ما اقتتلَ الناسُ ولولا طمعُ الدنيا ما تحاسدَ الإخوةُ، وما تقطعت الرحامةُ، ولا قامت بين الأممِ العداوةُ والبغضاءُ، ومع علم الله تعالى