الخطبة الثانية
الخطبة الثانية
  
  الحمد لله الذي لا يحصي نعماءَه العادون، ولا يؤدي حقَّه المجتهدون، أسبغَ علينا نعمَه، وأتمَّ علينا رحمتَه، الذي لا يُرجى إلا خيرُه، ولا يُخشى إلا ضيرُه، ولا إله غيره، نحمده على نعمه الظاهرة والخفية، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
  ونشهد ألّا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، صاحبُ النعمِ العظيمةِ والفضائلِ الجسيمةِ، نحمدُه على ما آتانا ونشكره على ما أولانا من الفضل والإنعام.
  ونشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه وخيرتُه من خلقِه صلى الله عليه وعلى آله الأبرار المنتجبين الأخيار.
  أما بعد:
  عبادَ الله: ليس هناك من فضلٍ هو أعظمُ من فضلِ الله علينا، ولا أجلُّ مما أسداه إلينا. أوجدَك من العدمِ وأجراكَ ماءً دافقاً من بينِ صلب أبيكَ وترائبِ أمِّك، فانحدر الماءانِ بقدرتِه تعالى ليجتمعا في الرحمِ محل النشأةِ الأولى. ليبدأ مشوار التكوين في ظلمات ثلاث، ترعاك عناية الله وحده، وتحوطك رحمته الإلهية دون سواه، يربيك ويغذيك، ويصورك ويسويك، وأهلك ووالديك اللذان جعلا مسرحا لحياتك وتكوينك غافلان عن ذلك لا يعلمان عنك خبراً، ولا يملكان لك حياة ولا نشوراً.
  حتى أنت لا تعلم عن نفسك شيئا ولا تقدر على نفعها ولو بمثقال ذرة. إن الله يريد أن تكون له وحده عليك المنة، ويريد أن يتفرد بإبداع صنعك وتسوية خلقك وحده لا يشرك في ذلك أحدا حتى تكون العبادة له وحده لا شريك له.
  يريدُ اللهُ أن يُلزمك حجة النعمة لتقابله بما هو أهله من التقدير والإجلال والتعظيم، ولكن الإنسانَ ويا لَلحسرةِ. ينسى كلَّ ذلك، والقرآنُ ينبهُهُ إليه في كل حين بقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً