الخطبة الأولى
التوبة
الخطبة الأولى
  
  الحمدُ للهِ ربِّ الأربابِ ومَالكِ الرقابِ، ومُنشئِ السحابِ، ومُنزلِ الكتابِ - سبحانَه - الكريمِ الوهابِ، الرحيمِ التواب {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} - سُبحانَهُ - الحيِّ القيومِ، لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ، القائمِ على كلِّ نفسٍ بِمَا كسَبَتْ، عالمِ الخفايا، وغافرِ الخطايا، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}
  وَنشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُه الدّاعِي إلى سبيلهِ ~ وعلى آله الأكْرَمين مِنْ يومِنا هذا إِلى يومِ الدّين وسَلَّمَ تَسْليماً كثيراً.
  أمَّا بعدُ عبادَ الله:
  مَا أَسرعَ الأيامَ، وتَقلباتِ الأزمانِ، أشْهُرٌ تَمُرُّ وكأنها ساعاتٌ، وسنواتٌ تتلوها سنواتْ، كلُّ شيءٍ مِن حولِنا يَتَغَيَّر، وكلُّ شَيءٍ يَتَبَدّلُ، إِلا ابنَ آدم الغافِلَ ما زال ذلك الجاهلَ العاصي، وَمَهما عَلّمتْه الأيامُ، وذَاقَ الدّروسَ مِن نكباتِ الزمانِ فلن يتعلَّمَ، فلا المصائِبُ تُحَوِّلُهُ عن العصيانِ، ولا الفقرُ والغلاءُ مَنَعَه مِن الذنوبِ، ولا الخوفُ والبلايا أَعَادَتْهُ إلى الصوابِ، إِنْ أُعْطِي لم يَشْكُر، وإِنْ مُنِعَ لم يَصْبِر، وعَظَهُ الزمانُ فلم يَرْعَوِ، وَنَاداهُ القرآنُ فَلَمْ يَعِ، شَبَّ أبناؤنا وماتَ آباؤُنا، وكَبُرتْ أَعْمارُنا، وَاشْتَعلَ الشيبُ في رُؤوسِنا، وَمَا زِلْنا في غَمرةِ الغفلاتِ لاهين {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ}.
  مَتى يَا تُرَى سَيَفِيقُ النَّائمُ؟ وَيَسْتَيقِظُ الغافِلُ؟ وَيرجِعُ الضَّالُّ؟ ويَؤُوبُ العَاصِي وَيَتُوبُ المُذنِبُ؟ هَل مَع غَرْغَرَة الرُّوحِ كما تَابَ فِرْعونُ، حِينَ أدْرَكَهُ