الخطبة الثانية
  حقوق المساجد ومكانتها في الإسلام
الخطبة الثانية
  
  الحمدُ للهِ الَّذي أَبَانَ لنَا مَعالِمَ الدِّين، وأكرمَنا باليقينِ، وألزَمَنا تَعظيمَ شَعائِرِهِ، واحترامَ مُقدَّسَاتِه، فَقَالَ عز من قائل كريمٍ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} فَلَهُ الحمدُ على تَوفِيقِه، وحُسْنِ هِدَايَتِه.
  ونَشهدُ ألّا إِلَه إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، ولا مَثِيلَ، ولا خُلْفَ لِقوله ولا تَبدِيلَ، ونَشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبْدُهُ وَرسُولُهُ الصادقُ الأمينُ، وعلى آلِهِ الهداةِ الميامينَ، من يومِنا هذا إلى يومِ الدَّين، وسَلّمْ تَسْليمَاً كثيراً.
  وَبَعدُ، عبادَ الله
  وَرَدَ عن الرسولِ ÷ في فضلِ المساجدِ وَبِنائِها أَنّه قَالَ فيما رواه الإمام زيدٌ عن آبائه $: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى لَهُ بيتًا فِي الْجَنَّةِ» فَأيْنَ المُتَنَافِسُون عَلى الجنَّةِ؟ أينَ الْمُتَزَوِّدُونَ لِلدَّارِ الآخرة؟ كُلٌّ مِّنَّا يَفْهمُ وَيَعِي، ولكنْ أيْنَ مَنْ يَعملُ وَيُطَبِّقُ؟ قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً}.
  رَحِمَ اللهُ الآباءَ وَالأجْدادَ مَع فَقْرِهم، وقِلَّةِ ذاتِ أيْدِيِهم، بَنَوْا لَنا الْمَسَاجِدَ وَحَفَرُوا الْبِرَكَ، وشَيَّدوُا المدَارِسَ، وَأَوْقَفُوا لَها خِيْرَةَ أَمْوَالِهم، وَلَمْ يَبقَ لَنا إلَّا أَنْ نُحَافِظَ عَلَيها، لَسْنا بِحَاجَةٍ إلى أَنْ نَبْنِيَ، نَحنُ بِحاجةٍ إلى أنْ نُصْلِحَ، وَنُحَافِظَ على مَا تَبَقَّي مِن حَسَناتِهم، وأَنْ نَسُوقَ لَها مَا يَلْزَمُنا مِن الْأَمْوالِ المَوْقُوفَةِ عليها، والحقوقِ اللازمةِ لها، وَلكِنْ، ولِلْأَسَفِ خَلَفَ خَلْفٌ هَدَمُوا مَا بَنَاه الآباءُ، وَمَنَعُوا مَا أَوْجَبَه الأَجْدَادُ، فَاللهُ المُستعانُ.