سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 153 - الجزء 2

في الموت

الخطبة الأولى

  

  الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.

  وأشهدُ ألَّا إلهَ إلا اللّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، دَلَّنَا على ما يُسعِدُنا في دُنيانا، ويومَ الدينِ.

  وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، سَيِّدُ المصلحينَ، وإمامُ المرشدينَ، اللهم فصلِّ وسلِّم عليهِ وعلى آلهِ الطاهرينَ.

  وبعد عباد الله:

  أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ ø، والاهتداءِ بهديِهِ، وليجعلْ كلُّ عبدٍ لُهُ من نفسِهِ واعظاً.

  عباد الله:

  ما بالُنا قد خَيَّمَتْ علينا الغفلةُ والقسوةُ وطولُ الأملِ، يقولُ رسولُ اللهِ ÷: «أَيُّهَا النَّاسُ، كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ، وَكَأَنَّ الحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ، وَكَأَنَّ الَّذِي نُشيِّعُ مِنَ الأَمْواتِ سَفْرٌ عَمَّا قَليْلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ، نُبَوِّئُهُم أَجْدَاثَهُمْ، وَنَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ، كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ بَعْدَهَمُ، نَسِينَا كُلَّ وَاعِظَةٍ، وَأَمِنَّا كُلَّ جَائِحَةٍ، فَطُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوِب النَّاسِ، وَطُوبَى لِمَنْ أَنْفَقَ مَالاً اكْتَسَبَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةِ الله، وَجَالَسَ أَهْلَ الفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ، وَخَالَطَ أَهْلَ الذِّلّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، طُوبَى لِمَنْ ذَلَّتْ نَفْسُهُ، وَحَسُنَت خَلِيقَتُه، وَصَلُحَتْ سَرِيرَتُه، وَعَزَلَ عَن النَّاسِ شَرَّه، فَطُوبَى لِمَنْ أَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِه، وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ، وَلَم تَسْتَهْوِهِ الْبِدْعَةُ».

  أيُّها الإخوةُ إنَّ الموتَ أمرُهُ هائلٌ، وخطرُهُ عظيمٌ، ولقد غَفِلْنا عنهُ بقلةِ ذِكْرِنا لَهُ وفِكْرِنا فيهِ، ومَن ذَكَرَهُ مِنَّا فإنَّهُ لا يَذْكُرُهُ بقلبٍ فارغٍ، بل يذكرهُ بقلبٍ مشغولٍ، مشغولٍ بماذا؟ هلْ هو مشغولٌ بذكرِ اللهِ وطاعتِهِ؟ أمْ هو مشغولٌ بتَعَلُّمِ العلمِ