الخطبة الأولى
السفر الطويل
الخطبة الأولى
  
  الحمدُ للهِ الذي إليهِ مصائرُ الخلقِ، وعواقبُ الأمرِ، نحمدُهُ على عظيمِ إحسانِهِ، ونَيِّرِ برهانِهِ، ونَوَامي فضلِهِ وامتنانِهِ، حمدًا يكونُ لحقِّهِ قضاءً، ولشكرِهِ أداءً، وإلى ثوابِهِ مُقَرِّباً، ولِحُسْنِ مَزِيدِهِ مُوْجِباً.
  ياربِّ لكَ الحمدُ حمدًا اسْتَهِلُّ بِهِ ذِكْرَى ... وإنْ كنتُ لا أُحْصِي ثناءً ولا شُكْرا
  لكَ الحمدُ مَقْرُونًا بِشُكْرِكَ دائمًا ... لكَ الحمدُ في الأولى لكَ الحمدُ في الأُخْرَى
  ونستعينُهُ استعانةَ راجٍ لفضلِهِ، مَؤَمِّلٍ لِنفعِهِ، واثقٍ بدفعِهِ، مُعْتَرِفٍ لَهُ بِالطَّوْلِ، ومُذْعِنًا لَهُ بالعملِ والقولِ، ونؤمِنُ بِهِ إيمانَ مَنْ رَجَاهُ، وأنابَ إليهِ واتَّقَاهُ.
  وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، شهادةً ممتحنًا إخلاصُها، معتقِدًا مصاصُها، نتمسكُ بها أبدًا ما أبقانا، ونَدَّخِرُها لأهاويلِ ما يلقانا فإنها فاتحةُ الإحسانِ ومَدْحَرَةُ الشيطانِ.
  وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ، الخاتمُ لما سَبَقَ، والفاتحُ لما انْغَلَقَ، القائلُ: «لَرَكعتانِ قبلَ الفجرِ خيرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها»، ~ وعلى عِتْرَتِهِ الأخيارِ، مِن يومِنا هذا إلى يومِ الدينِ وسلَّم تسليماً كثيراً.
  وبعد عباد الله:
  قد يكونُ الإنسانُ أحياناً في غيرِ وعيٍ تامٍّ، وقد يَتَلَقَّى بعضَ المواعظِ بغيرِ شعورٍ كاملٍ، وبلا تَأَمُّلٍ في المعنى المقصودِ مِن وراءِ تلكَ الألفاظِ، وبخاصَّةٍ مع كثرةِ المشاغلِ والانهماكِ في هذه الدنيا التي تُنْهِكُ الذهنَ مع البدنِ، وتُرْهِقُ الإحساسَ، وتؤثرُ على الفَهْمِ، وكثيرًا ما نسمعُ من الآياتِ ما يتفتتُ لَهُ الصخرُ، ويلينُ لهُ القاسي من الصُّمِّ، ولكنَّ النتيجةَ لا شيءَ، ترى الإنسانَ يمضي ويمضي وكأنَّهُ غيرُ مقصودٍ بالنداءِ، ولكنه سيُفيقُ حتماً في يومٍ مَّا، لا بُدَّ أن يستيقظَ وينتبهَ من غفلتِهِ، ولكن بعد