الخطبة الثانية
الخطبة الثانية
  عذاب النار
  
  الحمدُ للهِ الذي لا يبلغُ مدحتَهُ القائلونَ، ولا يُحصي نعماءَهُ العادُّونَ، ولا يُؤدي حقَّهُ المجتهدونَ، الذي لا تُدركُهُ بُعْدُ الهممِ، ولا ينالُهُ غوصُ الفطنِ، الذي ليس لصفتِهِ حدٌّ محدودٌ، ولا نَعْتٌ موجودٌ، ولا وقتٌ معدودٌ، ولا أجلٌ ممدودٌ.
  وأشهدُ ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له الملكُ الحقُّ المبينُ.
  وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الصادقُ الأمينُ، وعلى آلهِ الهداةِ الميامينَ وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
  وبعدُ ..
  عباد الله:
  لقد غفلنا ولم نشعرْ أننا غفلنا، وهذه واللهِ لَهِيَ الداهيةُ والمصيبةُ العظمى.
  آياتٌ بيناتٌ وعبرٌ وعظاتٌ، شُحِنَتْ بها سورُ القرآنِ يتجلجلُ دويُّها في الآفاقِ، ويترددُ صداها في الأذهانِ، تقرعُ المسامعَ، وتهزُّ المشاعرَ، ولكن لا مجيب، الناسُ يغطُّونَ في نومٍ عميقٍ وغفلةٍ عظيمةٍ، لا يستيقظون منها إلا بعد فواتِ الأوانِ بعدَ أن تُطوى الصحفُ، وتجفُّ الأقلامُ، {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ} {فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}
  إنَّ الفرصةَ - يا عبدَ اللهِ - سانحةٌ للعملِ، والسوقَ قائمةٌ والسلعةَ معروضةٌ ورخيصةٌ، وفي نفسِ الوقتِ نفيسةٌ، والوقتُ ضيقٌ ورهينٌ للعمل، فاليومَ عملٌ ولا حساب وغدًا حسابٌ ولا عمل، وستذكرون ما أقول لكم، وأفوِّضُ أمري