سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 230 - الجزء 2

الخطبة الأولى

الجنة

  

  الحمدُ للهِ الذي جعلَ المؤمنينَ فيما بينهم إخوانًا، وأوجبَ عليهم أن يكونوا في نصرةِ الحقِّ أعوانًا، والحمدُ للهِ الذي ربطَ الأمورَ بأسبابِها، وجعلَ أفضلَ الطرقِ للوصولِ إلى المقصودِ أن تُؤتَى البيوتُ من أبوابِها.

  وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادةً نرجو بها النجاةَ من النارِ وعذابِها، ونأملُ بها الفوزَ بدارِ النعيمِ وطيبِ مأكلِها وعَذْبِ شرابِها.

  وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أنصحُ مَن وعظَ، وأحكمُ الخلقِ فيما قصدَ صلى الله عليه وعلى آلِه ومن سلكَ سبيلَهم في المقالِ والفعالِ والمعتقدِ وسلَّمَ تسليماً كثيراً.

  وبعدُ:

  عبادَ الله:

  إنَّ مِن أعظمِ ما وعدَ به اللهُ المتقين، وبشرَ به عبادَه الصالحين الجنةَ، تلك الأمنيةُ التي هي غايةُ كلِّ مخلوقِ وذلك النعيمُ الذي اشتاقتْ إليه النفوسُ، وطمعتْ في نيلِه الخلائقُ، ذلك النعيمُ الذي فاقَ كلَّ تصورٍ، وبلغَ حدًّا لا يمكنُ وصفُه، بل إن العقولَ بما تملكُ من إدراكٍ للحقائقِ، وبما وصلَ إليه من خيالاتٍ وأوهامٍ، لا زالتْ قاصرةً عن إدراكِ نعيمِ الجنةِ على حقيقتِها، فالجنةُ قد تعدتْ حدَّ المعقولِ، وفاقتْ كلَّ التخيلاتِ، ولقد أوجزَ في وصفِها رسولُ اللهِ ÷ بما يزيدُها غموضًا فوق غموضِها فقال ÷: «فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ»، وقال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.