الخطبة الأولى
[٥] - الغاية من خلق الإنسان
الخطبة الأولى
  
  الحمدُ للهِ الذي له العزَّةُ، وذلَّتْ دونَه الأعزَّةُ، والغني الذي افتقر إلى رحمتِه الأغنياءُ، وبنعمتِه استقلت الأعداءُ والأولياءُ، فأفصحت ألسنةُ الآمالِ بالافتقارِ إليه، ولا غنيةَ لأحدٍ عما لديه، تسبحُ له السمواتُ والأرضُ، ومن فيهن ناطقٌ بربوبيتِه، وشاهدٌ بوحدانيته.
  وأشهد ألَّا إله إلا اللّهُ العليُّ الأمجدُ، الدائمُ الصمدُ، القيومُ الأحدُ.
  وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه، أفضلُ الرسلِ، وخيرُ من هدى إلى خيرِ السُبُلِ، ~ وعلى آله الخِيَرَةِ البرَرَةِ الأطهارِ الذين أذهبَ اللّهُ عنهم الرجسَ وطهرَهم تطهيراً.
  وبعدُ:
  عبادَ الله: اتقوا اللهَ رَبَّكم الذي خلقَكُم لتعبدوه، ولم يخلقْكم لتعصوه أبَداً، إنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْق حِيْن خلقَهُم، غَنياً عَنْ طَاعتِهم، آمناً من معصيتِهم، لا تنفعُه طاعةُ من أطاعَه، ولا تضرُّه معصيةُ مَن عصاهُ، وإنما {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}، كما قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ٢}، أي: ليختبرَكم، ولكن نحن غافلون عن الهدفِ الذي خُلِقْنَا لَه، نحن غافلون عمَّا يُراد بنا، نحن غافلون عمَّا خُلِقنا من أجلِه.
  أَيُّها الإخوةُ إنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى خلقَ السمواتِ من أجلِنا نحنُ بني البشر، وخلقَ الأرضَ من أجلِ هذا الإنسانِ، وخلقَ الأشجارَ والثمارَ من أجلِ هذا الإنسانِ، وخلقَ كلَّ شيءٍ في الكونِ من أجلِك أيها الإنسانُ الغافلُ، مِن أجلِك أيها الإنسانُ الظالمُ، كما يقولُ اللهُ تعالى: {اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ