الخطبة الأولى
الخطبة الأولى
المولد النبوي الشريف
  الثاني عشر من ربيع الأول
  
  الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، الحمدُ للهِ الذي لا يبلغُ مدحَهُ القائلون، ولا يُحصي نعماءَهُ العادُّون، ولا يؤدي حقَّهُ المجتهدون، والحمدُ للهِ الذي فطرَ الخلائقَ بقدرتِهِ، ونشرَ الرياحَ برحمتِهِ، ووتَّدَ بالصخورِ مَيَدَانِ أرضِهِ، نحمدُهُ استتماماً لنعمتِهِ، واستسلاماً لعزَّتِهِ، واستعصاماً من معصيتِهِ، وأستعينُهُ فاقةً إلى كفايتِهِ، إنه لا يضلُّ مَن هداه، ولا يَنجو مَنْ عاداه، ولا يفتقرُ مَن كفاه.
  وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، شهادةً نتمسكُ بها أبداً ما أبقانا، وندَّخرُها لأهاويلِ ما يلقانا، فإنها عزيمةُ الإيمانِ وفاتحةُ الإحسانِ ومرضاةُ الرحمنِ ومدحرةُ الشيطانِ.
  وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، أخرجَهُ اللهُ مِن أفضلِ المعادِنِ منبتًا، وأعزِّ الأروماتِ مغرساً، مِن الشجرةِ التي صَدَعَ منها أنبياؤه، وانتجبَ منها أُمناؤه، عِتْرَتُهُ خيرُ العُتَرِ، وأسرتُهُ خيرُ الأسرِ، وشجرتُهُ خيرُ الشجرِ، نبتتْ في حَرَمٍ، وبسقتِ في كرمٍ، لها فروعٌ طوالٌ وثمرٌ لا يُنالُ، فهو إمامُ مَن اتقى وبصيرةُ مَن اهتدى، سراجٌ لمعَ ضوؤُهُ، وشهابٌ سطعَ نورُهُ، سيرتُهُ القصدُ وسنتُهُ الرشدُ، كلامُهُ الفصلُ، وحكمُهُ العدلُ، أرسلَهُ اللهُ على حينِ فترةٍ مِن الرسلِ، وهفوةِ مِن العملِ، وغباوةِ من الأممِ، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين:
  يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكمُ
  نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الطهر والكرمُ