نص الرسالة
  الله وخاصته، وأن ذلك أبدي وسرمدي.
  ثم يسرح فكره في حدائقه وجنانه، بين أسراب النخيل الباسقات، والبساتين الملتفات، والأشجار المثمرات، يتخللها سواقي عيون نابعة، يتنقل على غصون تلك الأشجار طيور ألوانها تبهر الناظرين، وأصواتها تغذي قلوب السامعين، قد وضعت أسرَّة الملك بين رياضها، وبسطت الفُرُش الناعمة على حافة أنهارها، وكلما سرح فكره فيما ملكه ربه عاد طرفه إليه كليلاً عن الإحاطة بتلك المناظر، فإذا قضى من مناظر الجنان وطره، ومن تذكار النواعم حاجته، تحول لبه إلى الكساء والمجوهرات التي بها يتحلى، وماذا فعل الحور الحسان حين رأينه فأكبرنه، وكل واحدة تظهر له جمالها، وتود أن تزيد له في كمالها، وعلى هذا المنوال جرت أحوالهم، وبينما هو كذلك، وخواطر النعم تغدو على قلبه وتروح؛ إذ أقبلت سحابة من النور الإلهي تكاد تخطف الأبصار؛ لما تحمله من الفرح والسرور بأن حياة كل تقي وبقاء كل ما ملكه أرحم الراحمين أبدي سرمدي، فلا هموم تطوي الأعمار، ولا شيخوخة ولا موت ولا فقر، ولا أنظمة للمجرمين أو قوانين، ولا جيران لئام، وكل سكانها إخوان على سرر متقابلين.
  وكل ما وصف الواصف في هذه الدنيا وإن بلغت فصاحته منتهاها فما ذلك إلا مجة من لجة؛ لأن المصطفى ÷ قال: «إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر».