الرد على المجبرة،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[أسئلة إلى المجبرة]

صفحة 508 - الجزء 1

  وأنا مخبرك بتأويل الآية: قال بعض أهل العلم: إن معنى قوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}⁣[الأعراف: ١٧٩]. يريد الإعادة ولم يرد ابتدأهم لجهنم. ألا ترى أنهم كانوا في الدنيا يتمتعون ويأكلون!

  ولكن لما علم تبارك وتعالى، أن أكثر عاقبة هذا الخلق يصيرون إلى جهنم بكفرهم، جاز على سعة الكلام ومجاز اللغة: {وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ}. وإن كان إنما خلقهم في الابتداء لعبادته، وذلك جائز في اللغة. وقد قال نظير ما قلنا في كتابه في موسى، #، قال: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً}⁣[القصص: ٨]. وإن كانوا إنما التقطوه ليكون لهم قرة عين، وهكذا حكى الله عن امرأة فرعون، إذ قالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً}⁣[القصص: ٩]. ومثل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ١٠}⁣[النساء: ١٠]. لما كان عاقبة أمرهم إلى ذلك، وإن كانوا لا يأكلون في الدنيا إلا الأخبصة، والفالوذجات، والأطعمة الطيبة.

  وقد قال الشاعر ما يدل على ما قلنا من ذلك:

  أموالنا لذوي الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها

  وللمنايا تربي كل مرضعة ... وللحتوف برى الأرواح باريها

  والوجه الثاني قال فيه بعض العلماء: إن معنى قوله: {ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ}: خلقنا، ومعنى خلقنا: على أن سنخلق، وليس على قد خلقناكم في الابتداء لجهنم، وإنما أراد