الرد على النصارى،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[عيسى بشر]

صفحة 393 - الجزء 1

  وآلامه، التي كانت وصلت إليه عندهم في الضرب والصلب، وما كان يلقى في سياحته وأمره ونهيه من الدؤب والتعب، وفيما جعل الله من طعمه وأكله من الآيات البينة الجلية، ما يبطل ما قالت به النصارى فيه من الأقوال الكاذبة المفترية الرديّة، وفي نسبة الله له المعقولة في الدنيا والآخرة إلى أمه، ما يدل - والحمد لله - من رشد على أنها من أصله وجرمه، وأنه في ذلك كله كمثلها، إذ هو منها ومن نسلها، آباؤها آباؤه، وغذاؤها غذاؤه.

  فليفهم هذا - من أمره وأمرها، وعند ذكره في النسب وذكرها - من يفهم ويعقل، ولا يتجاهل منه ما لا يجهل. وليعلم أن قول الله سبحانه كثير في كتابه: ابن مريم، وترديده في ذلك لذكره بها ، فيه من تيقن الثّلج، وغوالب الحجج، التي يثلج بها كل قلب، ويغلب فلا يعلى بغلب، إذ تقرر من ولادتها له ما لا ينكره من النصارى ولا غيرها منكر، ولا يتحير فيه من كل من عرفه بها ولا بما كان له من ولادتها متحيّر، إذ جعله الله سبحانه ابنها، وجوده منها وعنها، منها كونه وفصوله، وأصولها كلها أصوله، وكل ما لزم فرع شيء من تغيير أو فناء لزم أصله، وكذلك كل ما كان من ذلك للأصل فهو له، لا يأبى ذلك ولا يكابره، إلا فاسد العقل حائره.

  وفيما قلنا به والحمد لله من ذلك، وأن عيسى صلى الله عليه كذلك، ما يقول الله سبحانه: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ