الرد على النصارى،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[قواعد للحوار]

صفحة 421 - الجزء 1

  وليعلم من فهم منهم، أو من غيرهم، أن فيما ذكر الله لهم من المأكل ومثله، آية عجيبة ظاهرة لمن يفهمها بعقله، تدل على أنه لم ينزلها إلا علام الغيوب، الذي لا يخفى عليه شيء من سرائر القلوب، لا سيما في النصارى من أهل الكتاب، وما هم عليه من الحرص والكد والاكتساب، فإنا لم نر أمة من أهل الكتاب أرغب في المأكل والمشرب، واكتناز الفضة والذهب، منهم خاصة دون غيرهم، معلوم ذلك من غنيهم وفقيرهم، ولذلك ما يقول الله سبحانه فيهم، وفي بيان ما قلنا به من ذلك عليهم: {إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ٣٤}⁣[التوبة: ٣٤]. فرهبانهم إلا القليل وشمامستهم، تعولهم أبدا أقوياؤهم وضعفتهم. وليس من الرهبان ولا الشمامسة من تكلّف في مطعمه ولا مشربه ولا كسوته ولا مصلحته كلفة، ومن كفاهم ذلك من عوامهم وضعفتهم فقد يرى ذلك قربة له عند من يعبدون وزلفة.

  فأول ما يقال - إن شاء الله - لمن أراد الانصاف لنفسه منهم، وعند من تجري المجادلة فيما ادعوا من الكتب بين أحد من أهل التوحيد وبينهم، يا هؤلاء: أنصفونا فيما ادعيتم من شهادات الكتب من أنفسكم، فلا تدعوا فيها ولا تأولوا فيها تأويلا ملتبسا يزيدكم لبسا على لبسكم، فإن شئتم تأولتم الكتب وتأولنا، على ما قد قلتم وقلنا، ولنا من التأويل. مثل مالكم، وقولنا فيه يخالف أقوالكم. فإن كان ذلك أحب إليكم، فافهموا فيه ما يدخل عليكم، فلسنا ندخل عليكم فيه، إلا ما نجمع نحن وأنتم عليه.

  أجمعنا نحن وأنتم جميعا كلنا، قولكم مما قلنا به من ذلك قولنا، على أن أصدق الشهادات كلها وأعدلها، خمس شهادات يلزمنا وإياكم أن نقبلها: