وقال تبارك وتعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً}[المؤمنون: ٥٠]. لأنه لم يكن في ولد آدم خلق مثله، خلق من غير أب، ولم يقل: إن صاحبكم آية منه مع أنه يستبين من صاحبكم للناس خلاف ما استبان من عيسى ويحيى وهما نبيان، فتحتجون علينا بحجة الأنبياء، وتساوون أصحابكم بالأنبياء، ونرى أفاعيلهم خلاف أفاعيل الأنبياء، إذ أخذوا التّقيّة من المخلوقين دينا، وهذا يحيى بن زكرياء لم يخف غير الله، ولم يدار في دينه، استبقاء على بدنه، حتى قتل صلى الله عليه، ومع أن يحيى لم يلبس اللّيّن، ولم يأكل الطيب، وكان باكيا آثار الدموع بخديه، حتى مضى إلى الله، ﷺ.
  وهذا عيسى بن مريم تكلم في المهد صبيا، لم يحبس كلامه تقية على نفسه، وكان يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله، فينفخ فيه فيكون طائرا بإذن الله، وكان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، وكان يحيي الموتى بإذن الله، وكان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، لم يتق أحدا من خلق الله ولم يراقبه، وكانوا يقولون: ساحر مجنون كذاب كاهن. فلم يسعه كتمان ما جعل الله فيه بما عاين من تكذيب الخلق له، مع أن فعل عيسى بان من فعل صاحبكم.
  وليس كل الأنبياء ولوا حكم الأمة، وإنما كان بعضهم نبي نفسه، وبعضهم نبي أهله، وبعضهم نبي أهل بيته، وبعضهم نبي قرابته، وبعضهم نبي قومه.
  وليس حكم الأنبياء كحكم غيرهم ممن دونهم، مع أنه قد مضت سنة بني إسرائيل، وهذه سنة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.