غرة وجه البيان في متشابه القرآن،

الحسن بن صلاح الداعي (المتوفى: 1120 هـ)

[القسم الأول من المتشابه]

صفحة 22 - الجزء 1

  ألا ترى أنَّ من أَكْرَهَ الأَعْمَى عَلَى نَقْطِ المُصْحَفِ، والمُقْعَدَ على الجَرَيَانِ، ومسلوبَ الجناح على الطيران، وإذا لم يفعل ذلك قَتَلَه أو عَذَّبَه، هل ذلك إلا ظلمٌ صريح وجورٌ قبيح؟!

  فكيف بمن خَلَقَ الكفر في العبد وعذَّبه على فِعْلِه؟! وصَدَّ عن الإسلام وعاقبَ على صَدِّه؟! - تعالى الله عمَّا يقول الظالمون، وتَنَزَّه عما يقول المجبرة المفسدون، شهودُ الشيطان، وخصمآءُ الرحمن، وأعداءُ الإيمان، فإنَّ الله سبحانه وتعالى إذا قد أَجْبَرَ على الكفر وقضاه، وحكم بالضَّلال وأمْضَاه، فما الفائدةُ في إرسال الرُّسُل، وإنزال الكتب، والدعا للعباد إلى ما لا يقدرون عليه! هل ذلك إلاَّ عينُ العيب والهزل؟!

  تعالى مَنْ حُكْمُه الحُكْمُ الفصل، وقَضَاهُ القضاءُ العدل - عمَّا يقول الظالمون علوًّا كبيراً! إنما أُتي الظالمون من قِبَلِ أنفسهم، حيث خالفوا قرناءَ القرآن، ونصَبوا لهم العدوان، وفرَّقوهم في البلدان، وشرَّدوهم عن الأوطان، ومزَّقوهم كلَّ ممزَّق، وخالفوا لمخالفتهم القولَ الحقِّ، وتَبِعُوا طرائقَ الشيطان، وسلاطين العدوان، وأئمة النار الذين يدعون إليها من أجابهم، ويقرِّبون إليها من أطاعهم، ويُوفِدُون عليها من تَبِعَهم، ويكفيك أَنَّ جميع الأنبياء عدليِّةٌ:

  قال آدم #: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}⁣(⁣١).

  وقال إبراهيم #: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}⁣(⁣٢).

  وقال يوسف #: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}⁣(⁣٣) على قول بعض المفسرين⁣(⁣٤).

  وموسى #: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي}⁣(⁣٥) ولما قَتَل القبطي: {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}⁣(⁣٦).


(١) سورة الأعراف: ٢٣.

(٢) سورة الأنعام: ٧٧.

(٣) سورة يوسف: ٥٣.

(٤) الكشاف ٢/ ٣٢٧.

(٥) سورة القصص: ١٦.

(٦) سورة القصص: ١٥.