حاشية الدسوقي على مختصر المعاني،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

[فصل]

صفحة 302 - الجزء 4

  تشوف إلى ما وراءه (كقوله:

  بقيت بقاء الدّهر يا كهف أهله ... وهذا دعاء للبريّة شامل⁣(⁣١))

  لأن بقاءك سبب لنظام أمرهم وصلاح حالهم ...


  واعلم أن الانتهاء المؤذن بانتهاء الكلام يسمى براعة مقطع (قوله: تشوف) أى: انتظار (قوله: كقوله) أى: الشاعر وهو أبو العلاء المعرى - كذا فى المطول، ونسبه ابن فضل الله لأبى الطيب المتنبى، قال فى معاهد التنصيص ولم أر هذا البيت فى ديوان واحد منهما.

  (قوله: يا كهف أهله) أى: يا كهفا يأوى إليه غيره من أهله، والمراد بأهله جنسه بدليل ما بعده، والكهف فى الأصل الغار فى الجبل يؤوى إليه ويلجأ إليه استعير هنا للملجأ (قوله: وهذا دعاء للبرية شامل) الإشارة لقوله بقيت إلخ، وقد وجه الشارح الشمول بقوله: لأن بقاءك سبب إلخ، وحاصله أنه لما كان بقاؤه سببا لنظام البرية أى: كونهم فى نعمة وسببا لصلاح حالهم؛ برفع الخلاف فيما بينهم ودفع ظلم بعضهم عن بعض، وتمكن كل واحد من بلوغ مصالحه كان الدعاء ببقائه دعاء بنفع العالم، ومراده بالبرية: الناس وما يتعلق بهم، وإنما آذن هذا الدعاء بانتهاء الكلام؛ لأنه قد تعورف الإتيان بالدعاء فى الآخر، فإذا سمع السامع ذلك لم يتشوف لشئ وراءه، ومثل ذلك قول المتنبى:

  قد شرّف الله أرضا أنت ساكنها ... وشرّف الناس إذ سوّاك إنسانا⁣(⁣٢)

  فإن هذا يقتضى تقرر كل ما مدح به ممدوحه، فعلم أنه قد انتهى كلامه ولم يبق للنفس تشوف لشئ وراءه، وكذا قوله:

  فلا حطّت لك الهيجاء سرجا ... ولا ذاقت لك الدّنيا فراقا⁣(⁣٣)


(١) البيت لأبي العلاء المعري، من قصيدة مطلعها: ألا فى سبيل المجد ما أنا فاعل.

(٢) شرح التبيان للعكبري ٢/ ٤٧٥.

(٣) شرح التبيان للعكبري ١/ ٤٧١.