الباب الثالث في الإرادة
  حمل الفتنة المضافة إليه سبحانه على أحد المعنيين الآخرين، إما أن يريد بذلك التعذيب بالنار أو التشديد في الامتحان، ووجب حمل كلامه مما ذُكِرت فيها الفتنة على ما يليق بها من هذه المعاني، وقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}(١)، معناه من يرد الله إهلاكه بعذاب النار فلن تملك دفع ذلك عنه، ولا شك في ذلك.
  وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}(٢). معناه يشهد بطهارتها ويحكم بذلك، كما يقال زكي فلان فلاناً إذا شهد بتزكيته وحكم بذلك، قال الله سبحانه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ}(٣). وإنما لم يحكم لهم بالطهارة لأنهم لم يفعلوا ما تطهر به قلوبهم من نجس الشرك وخبث
(١) سورة المائدة آية ٤١.
(٢) سورة المائدة آية ٤١.
(٣) سورة الجمعة آية ٢.