مناظرة مع ملحد،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[حكمة خلق العالم]

صفحة 311 - الجزء 1

  إذ لم يدعهم به إلا إلى الإحسان، فلما كان ذلك كذلك، كان الله حكيما، بامتحانه وأمره ونهيه.

  قال الملحد: إن الله يعلم ما هو صائرون إليه، ونحن لا نعلم ذلك.

  قال القاسم #: إن الجهل، والعلم، لا يحسّن الحسن، ولا يقبّح القبيح، وذلك لأنه لو كان حسنا لأن الآمر به يعلم أنه يفعله لكان ذلك قبيحا، إذا كان الأمر منا بما يصير إليه المأمور جاهلا، فلما لم يكن ذلك قبيحا لجهل الآمر منا، لأنه إنما أمر بالحسن ودعا إلى الحسن، وإن كان جاهلا بما يصير إليه المأمور [دل ذلك على أنه لا فرق بين أن يكون الآمر بالحسن، والداعي إلى الحسن، جاهلا بما يصير إليه المأمور]، أو عالما.

  وشيء آخر: وهو أنه لو كان الامتحان قبيحا، إذا علم أنه يعصى، لكان لا شيء أقبح من إعطاء العقل، لأنه إنما يعصى عند وجوده، ويستحق الذم والمدح به، فلما كان إعطاء العقل عند الأمم كلها موحدها وملحدها حسنا، دل ذلك على أن الامتحان والخلق والأمر بالحسن كله حسن، علم أنه يعصي أو يطيع.

  قال الملحد: فلم مزج الخير بالشر ولم صار واحد غنيا، وواحد فقيرا، والآخر قبيحا، والآخر حسنا؟