مناظرة مع ملحد،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[إرسال الرسل وحكمة التشريع]

صفحة 314 - الجزء 1

  وإن لم يكن فيها كيفيتها ففيها جواز كونها.

  قال الملحد: وكيف ذلك؟

  قال القاسم #: هو مثل ما تعرفه في الشاهد، وذلك لو أن سيدا أمر عبده ببناء دار، أو قطع شجرة، أو إعطاء عبد الله، أو ضرب زيد، فإنه ليس في العقل أن السيد يأمر به، فإذا أمر به كان في العقل أن الايتمار به حسن، وأن تركه قبيح، إذا كانت لأمر سيده عاقبة محمودة، ومرجع نفع إلى العبد، فالعقل يجوّز الأمر بكل شيء على حياله، ولا يوجب شيئا من ذلك دون شيء، إذا كان ذلك الأمر مما ينتقل حاله في العقل، وذلك أنه قد يكون المشي إلى موضع ما حسنا في العقل، إذا كان للمشي معنى حسن، فأما اللواتي يدرك حكمها في العقل، فقد أدرك بأن الآمر بها لا يأمره إلا بما هو حسن، ولا ينهى إلا عن ما هو قبيح عنده.

  قال الملحد: فحدثني عن الصلاة والصيام وغيرهما من الشرائع، هل له أصل في العقل تفرّع هذا منه؟

  قال القاسم #: أجل، قد أخبرتك به آنفا، وهو كالأمر بالمشي إلى موضع ما، وكضرب زيد، وإعطاء عبد الله، ليس له أصل في العقل، أكثر من الايتمار لأمر الحكيم، ووجه الحكمة فيه أن الآمر إنما يأمر به لينظر هل يأتمر به المأمور فيجازيه لذلك؟ لا سيما إذا كان الآمر مستغنيا، غير محتاج إلى ما يأمر به، وإنما يأمرهم ليمتحنهم، وليظهر بذلك أعمالهم، فإن الأمر به حسن، وعلى ذلك سبيل الشرائع كلها.

  قال الملحد: خبرني عن كيفية معجزاتهم.

  قال القاسم #: هو قلب العادات، وأن لا يترك العادات جارية على