[النظر للعلم بوجود المدبر الحكيم]
  قديم، واحد عالم لايشبهها.
  واعلم أن الملحدة والدهرية على فرقتين: فرقة نفت الصانع نفياً محضاً ولم تثبت للعالم رباً، وقد حكى الله تعالى قول هذه الفرقة، فقال سبحانه: {مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوْتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ ..} الآية [الجاثية: ٢٤].
  وفرقة ثانية أثبتت الصانع، وزعمت أنه فاعل فيما لم يزل، وأن العالم ظَهر منه كظهور ضياء الشمس من الشمس، وحَرِّ النار من النار، وهذا هو المحكي عن قوم من الفلاسفة، والدلائل التي قدمناها تبطل هذا كله.
  (معترفة بالعجز على أنفسها، أنها لم تصنع أنفسها، ولم تشاهد صنعتها، وتعجز أن تصنع مثلها، وتعجز أن تصنع ضدها).
  اعترافها بالعجز هو: شهاداتها على أنفسها أنها تعجز عن تحسين ما استقبحت من صُوَرِها، ولاتمتنع عن الزيادة والنقصان في أنفسها، ولاتملك لها ضراً ولانفعاً في جميع أمورها، ولاموتاً ولاحياة ولانشوراً، فثبت أن صانعها غير لها متقدم عليها، وكيف شاهد صَنْعَتَه معدومٌ؟ هذا مالا تختلج فيه الوهوم، ومن عجز عن تحسين ما قبح منه عنده كيف يصنع مثله أو ضده، تشهد بذلك العقول.