[وجوب شكر المنعم]
  (واطراد الحكمة): استمرار العالم على ما هو عليه من عوائد وفوائد ومصالحِ بعضه في بعض، ومنافع بعضه من بعض، حكمة متقنة، وصنعة محكمة، لايعقلها إلا العالمون، سبحان من دَلَّنا به عليه، وعَرَّفَنَا إياه فيه، ولطف بنا حتى علمنا جميع معانيه بالعقل الذي أعطاناه، فاستعملناه على الوجه الذي أراده حتى قصدناه.
  وقد ورد السمع بتحقيق دار غير هذه الدار، كان العقل قد حكم بها لمن أطاع ولم يُعْطَ أجره على الطاعة حتى فارق الدنيا، وهو منتظر للآخرة، وحكم بها لمن عصاه ولم يعاقب على ما استباح من حمى المحارم، وإغماض المظالم، وفارق الدنيا ولم يرز في نفسه لأجل ذلك، وبَيَّن الله تعالى ذلك في الوعد والوعيد، {وَسِيْقَ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُوْنَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُوْنَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوْا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ العَذَابِ عَلَى الكَافِرِيْنَ ٧١ قِيْلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِيْنَ فِيْهَا فَبِئْسَ مَثَوَى المُتَكَبِّرِيْنَ وَسِيْقَ الَّذِيْنَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِيْنَ}[الزمر: ٧٠ - ٧١]، وفي القرآن كثير من نظائر هاتين الآيتين، على حقيقة دار الآخرة، قوله: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيْلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلاَيُظْلَمُوْنَ فَتِيْلاً}[النساء: ٤٩].