[معرفة أنه لا بد من رسول]
  الأخبار التي في مثلها يمتنع الكذب ولايتهيأ بالاتفاق، ويكون سامعها مضطراً في فطرته إلى أن ناقليها لايمكن مثلَهم الكذبُ، ولا التواطؤ على مقالة، كقوم مختلفي الأجناس، متبايني الديار، متقطعي الأسباب، متفاوتي اللقاء، متراخي الأزمنة، ينقلون خبراً واحداً متسق النظام، محروساً من الغلط، محصناً من الوهم).
  (من تراخت به الأيام عن لقائهم)، يعني: من امتدت به الأيام وهو مأخوذ من الرَّخاء، وكذلك يقال: عَيْش راخ أي ممدود واسع.
  (وكان في غير أعصارهم)، الأعصار: جمع عَصْر، وهو وقت من الزمان.
  (كانت الحجة عليه في معرفتهم)، معناه: أنه كان الواجب عليه أن يعرفهم من طريق العِلْم لا من طريق المشاهدة، وأن يقبل ماجاء به لا على جهة التقليد، ويدينَ الله بما دعوا إليه، والحجة في ذلك: (تواتر الأخبار التي في مثلها يمتنع الكذب ولايتهيأ بالاتفاق) في مثلها الخبر إذا تواتر من ثقة إلى ثقة، لأنا قد قلنا فيما تقدم أن حكماً شرعياً عرف فيه المراد باستدلال شرعي من قياس أو إجماع أو خبر وارد، وكل خبر عُرِفَ المراد منه بضرب من الاستدلال قضي بصحته في مسائل الفقه مع النظر، فأما في الأصول فلايقبل خبر الواحد، ولايُوجِب العِلْم، لأن الأصول هي ما شهد لها العقل الذي هو حجة الله تعالى العظمى، ودلالته الكبرى لايحتمل التعارض والنسخ، والتأويل،