شرح البالغ المدرك،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[أقسام الأخبار]

صفحة 114 - الجزء 1

  ومنعوهم بسببه مرافق الدنيا، مع ما اتصل إليه في نفسه من الأذى، ولما اتسع نطاق الإسلام، واستمر بعد الهجرة منه النظام، عرضت عليه مفاتيح خزائن الأرض فلم يقبلها، واختار ماهو عليه من ضيق الحال وقلة المال، لعلمه بالانتقال من الدنيا والزوال.

  ولقد بلغنا أنه خرج هو وأمير المؤمنين À إلى السوق ليشتري قميصاً ومعه اثني عشر درهماً، فإذا هما بجارية سوداء على ظهر الطريق تبكي، فقال لها مايبكيك؟ فقالت: يارسول الله أعطاني أهلي أربعة دراهم اشتري بها حاجة، فسقطت مني، فأخاف أن يضربوني، فأعطاها رسول الله ÷ أربعة دراهم، ومضى إلى السوق وابتاع قميصاً بأربعة دراهم، ولبسه وحمد الله تعالى ثم انصرف، حتى إذا كان في بعض الطريق، فإذا سائلا يقول: من كساني كساه الله من ثياب الجنة. قال: فخلع عليه رسول الله ÷ القميص.

  ثم رجع إلى السوق، فابتاع بأربعة دراهم الباقية قميصاً فلبسه وحمد الله تعالى، وانصرف، فإذا السوداء قائمة تبكي، فقال لها: مالك أليس قد أعطيتك أربعة دراهم؟ فقالت: بلى يارسول الله، ولكني احتبست عن أهلي، فأخاف أن يضربوني. فقال: مُرِّي، ومضى معها حتى انتهى إلى أهلها، فلما قام على الباب قال: «السلام عليكم». فلم يردوا شيئاً، وكان لاينصرف