شرح البالغ المدرك،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[ذكر الفترة والعمل فيها]

صفحة 116 - الجزء 1

  أن موسى صلى الله عليه قال: إن شريعته دائمة، وأنها لاتنسخ. والذي يبطل هذا القول ظهور المعجز على من يدعي نسخ شريعته، وقد عرفنا ذلك في رسول الله ÷، فيعلم بذلك أنهم مبطلون، لأحد وجهين: إما بالنقل، وإما بالتأويل؛ لأنه لايمتنع أن يكون مراده ÷ بأن شريعته دائمة إلى غاية، بل لابد من ذلك، لأن التكليف منقطع، فإذا دلت هذه المعجزات الظاهرات على النبي ÷ على صدقه في نسخ الشريعة المتقدمة، علم بذلك قول الخصوص دون عموم الأوقات. وقالت: إن ذلك يدل على البداء، وقالت البراهمة: إن ذلك ينقض أدلة العقول، ولاتحسن بعثة الأنبياء عقلا.

  فأما قول اليهود: إن ذلك يدل على البداء، فخطأ، لأن ذلك يدل من هذا الباب على أن البداء أن تأمر زيداً بفعل وتنهاه عنه في وقت واحد على وجه واحد، فأما إذا تغايرت الأفعال والأوقات، فليس ذلك يدل على البداء، من حيث عَلِمَ تعالى مصالح المكلفين لما خلقهم عليه من الاختلاف، وكذلك اختلاف المصالح لاختلاف الشرائع في الأعيان والأوقات والأفعال، وذلك بحسب قيام الدلالة، وذلك جائز ولايعلم إلا بورود شرع من المكلف على يدي رسول الله ÷.

  (ويدفن الحق) أصله من واريت الشيء عن الإبصار وأخفيته، أي يخفيه قوم قد علموه.

  (ويغمض البرهان)، مأخوذ من تغميض العينين، وهو مثل الأول، والبرهان