الباب الثالث في الإرادة
  يجبرهم على شيء مما أمرهم به، ولا أن يضطرهم إليه إضطراراً يزيلهم عن مقام الإختيار، إذ لو فعل ذلك لهَدَّ اركان التمكين، وهدم بنيان التكليف، كما سبق بيانه.
  فإذا عرفنا هذا الأصل، ورأينا بعض آيات القرآن الكريم تدل على أنه تعالى قد شاء من المكلفين الإيمان، وبعض آياته تقتضي أنه لم يشأ منهم أو من بعضهم ذلك، وقد علمنا أنه كتاب عزيز(١) {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ٤٢}(٢) وأنه مصون من التناقض، بل يزيد بعضه بعضاً. علمنا أن المشيئة التي أثبتها هي غير المشيئة التي نفاها، إذ لو كان المرجع بهما إلى شيء واحد لتناقض الكلام. فيجب حمل الآية التي تدل على أنه قد أراد من جميع المكلفين الطاعات وشاء من كافتهم الخيرات على أن المراد بها مشيئة الإختيار، إذ لا يصح حملها على مشيئة الجبر، لانه لو شاء ذلك منهم جبراً لوقع لا محالة من
(١) في ب كريم.
(٢) سورة فصلت آية ٤٢.