مناظرة مع ملحد،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[إثبات وجود الصانع وحدوث العالم]

صفحة 295 - الجزء 1

  أمرين:

  إما أن يكون هو كوّن نفسه، أو غيره كوّنه!

  فإن كان هو الذي كوّن نفسه لم يخل أيضا من أحد أمرين:

  إما أن يكون كوّن نفسه وهو معدوم، أو كوّنها وهو موجود! فإن كان كوّنها وهو معدوم، فمحال أن يكون المعدوم أوجد نفسه وهو معدوم. وإن كوّنها وهو موجود، فمحال أن يكون الموجود أوجد نفسه وهو موجود. إذ وجود نفسه قد أغناه عن أن يكوّنها ثانيا. فإذا بطل هذا ثبت أن الذي كوّنه غيره، وأنه قديم ليس بمحدث، إذ لو كان محدثا كان حكمه حكم المحدثات.

  وإن كانت الأحوال قديمة فذلك يستحيل، لأنا نراها تحدث شيئا بعد شيء في حين واحد، في نفس واحدة، فلو كانت كلها مع اختلافها في أنفسها وأوقاتها قديمة، لكانت الترابية نطفة مضغة دما علقة عظما لحما إنسانا، في حالة واحدة، إذ القديم هو الذي لم يكن، ولم يزل وجوده، وإذا لم يزل وجود هذه الأحوال، كان على ما ذكرت وقلت، من كونه ترابا مضغة لحما عظما إنسانا، في حالة واحدة، إذ الأحوال لم يسبق بعضها بعضا، لأنها قديمة، ولأن كل واحد منها في باب القدم سواء، فإذا استحال وجود هذه الأحوال معا في حين واحد، في حالة واحدة، وثبت أن الترابية سابقة للنطفية، والنطفية سابقة للحال، التي بعدها، صح الحدوث، وانتفى عنها