مناظرة مع ملحد،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[حكمة خلق العالم]

صفحة 308 - الجزء 1

  إلا على القادر الحي الحكيم العالم؛ فلمّا وجدنا الفعل المحكم واقعا، دلنا ذلك على أن صانعه عالم، قادر، حي، حكيم.

  قال الملحد: فهل وجدت الفاعل الحكيم القادر سوى الإنسان؟

  قال [القاسم]: لا.

  قال [الملحد]: أفتقول إنه إنسان؟

  قال [القاسم]: إني وإن لم أجد إلا إنسانا، فلم يقع الفعل منه لأنه إنسان، إذ قد وجدنا إنسانا تعذر عليه الفعل، فلما وجدناه متعذرا عليه؛ دلنا ذلك على وجود فاعل ليس بإنسان.

  ألا ترى أنا لما قلنا: إنه لا يجوز كون الفعل إلا من قادر حكيم، جائز منه ذلك. فكان قولنا فيه مستمرا؛ ولما لم يستمر القول في ذلك لم نقل به.

  (قال الملحد: قد أبلغت في هذا، فنرجع إن شئت إلى مسألتي.

  قال [القاسم]: سل).

  قال [الملحد]: لم خلق الله العالم؟

  قال القاسم #: قال الله سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}⁣[الملك: ٢]، وقال: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦}⁣[الذاريات: ٥٦]، وقال: {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ}⁣[الجاثية: ١٣]. فأخبر أنه خلقنا للعبادة، والابتلاء، وليبلغ بنا إلى أرفع الدرجات، وأعلى المراتب.