الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في القصر

صفحة 106 - الجزء 1

  الحال «ما جاء راكبا إلا زيد».

  والوجه في جميع ذلك أن النفي في الكلام الناقص - أعني الاستثناء المفرّغ - يتوجّه إلى مقدّر هو مستثنى منه عام مناسب للمستثنى في جنسه وصفته.

  أما توجهه إلى مقدّر هو مستثنى منه فلكون «إلّا» للإخراج، واستدعاء الإخراج مخرجا منه.

  وأما عمومه فليتحقق الإخراج منه، ولذلك قيل: تأنيث المضمر في «كانت» على قراءة أبي جعفر المدني: {إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً}⁣[يس: الآية ٢٩] بالرفع وفي «ترى» مبنيا للمفعول في قراءة الحسن: {فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ}⁣[الأحقاف: الآية ٢٥] برفع «مساكنهم» وفي «بقيت» في بيت ذي الرّمّة:

  فما بقيت إلّا الضّلوع الجراشع⁣(⁣١)

  للنظر إلى ظاهر اللفظ، والأصل التذكير؛ لاقتضاء المقام معنى شيء من الأشياء.

  وأما مناسبته في جنسه وصفته فظاهرة؛ لأن المراد بجنسه أن يكون في نحو «ما ضرب زيد إلّا عمرا» «أحدا» وفي نحو قولنا: «ما كسوت زيدا إلا جبّة» «لباسا» وفي نحو «ما جاء زيد إلا راكبا» كائنا على حال من الأحوال، وفي نحو «ما اخترت رفيقا إلا منكم» «من جماعة من الجماعات» ومنه قول السيد الحميري: [إسماعيل بن محمد]

  لو خيّر المنبر فرسانه ... ما اختار إلّا منكم فارسا⁣(⁣٢)

  لما سيأتي إن شاء الله تعالى أن أصله «ما اختار فارسا إلا منكم».

  والمراد بصفته كونه فاعلا أو مفعولا، أو ذا حال، أو حالا، وعلى هذا القياس إذا كان النفي متوجها إلى ما وصفناه فإذا أوجب منه شيء جاء القصر.

  ويجوز تقديم المقصور عليه مع حرف الاستثناء بحالهما على المقصور، كقولك: «ما ضرب إلّا عمرا زيد، وما ضرب إلّا زيد عمرا، وما كسوت إلّا جبّة زيدا، وما ظننت إلّا زيدا منطلقا، وما جاء إلّا راكبا زيد، وما جاء راكبا».


(١) صدر البيت:

طوى النحز والإجراز ما في غروضها

والبيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ١٢٩٦، وتخليص الشواهد ص ٤٨٢، وتذكرة النحاة ص ١١٣، وشرح المفصل ٢/ ٨٧، والمحتسب ٢/ ٢٠٧، والمقاصد النحوية ٢/ ٤٧٧، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢/ ١٧٢، وشرح ابن عقيل ص ٢٤٣.

(٢) البيت من السريع، وهو في مفتاح العلوم للسكاكي ص ١٣٠.