الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الإيجاز والإطناب والمساواة

صفحة 139 - الجزء 1

القول في الإيجاز والإطناب والمساواة

  قال السكاكي: أما الإيجاز والإطناب، فلكونها نسبيّين، لا يتيسّر الكلام فيهما إلّا بترك التحقيق، والبناء على شيء عرفيّ، مثل جعل كلام الأوساط على مجرى متعارفهم في التأدية للمعاني فيما بينهم - ولا بد من الاعتراف بذلك - مقيسا عليه، ولنسمّه متعارف الأوساط وأنه في باب البلاغة لا يحمد منهم ولا يذمّ.

  فالإيجاز هو أداء المقصود من الكلام بأقلّ من عبارات متعارف الأوساط، والإطناب هو أداؤه بأكثر من عبارته، سواء كانت القلّة أو الكثرة راجعة إلى الجمل، أو إلى غير الجمل.

  ثم قال: الاختصار لكونه من الأمور النسبيّة، يرجع في بيان دعواه إلى ما سبق تارة، وإلى كون المقام خليقا بأبسط مما ذكر أخرى.

  وفيه نظر؛ لأن كون الشيء نسبيّا لا يقتضي أن لا يتيسّر الكلام فيه إلا بترك التحقيق، والبناء على شيء عرفيّ.

  ثم البناء على متعارف الأوساط. والبسط الذي يكون المقصود جديرا به، ردّ إلى جهالة؛ فكيف يصلح للتعريف؟

  والأقرب أن يقال:

  المقبول من طرق التعبير عن المعنى: هو تأدية أصل المراد بلفظ مساو له، أو ناقص عنه واف، أو زائد عليه لفائدة.

  والمراد بالمساواة: أن يكون اللفظ بمقدار أصل المراد؛ لا ناقصا عنه بحذف أو غيره، كما سيأتي، ولا زائدا عليه بنحو تكرير، أو تتميم، أو اعتراض، كما سيأتي.

  وقولنا: «واف» احتراز عن الإخلال، وهو أن يكون اللفظ قاصرا عن أداء المعنى، كقول عروة بن الورد:

  عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم ... ومقتلهم عند الوغى كان أعذرا⁣(⁣١)

  فإنه أراد: إذ يقتلون نفوسهم في السّلم، وقول الحارث بن حلّزة:

  والعيش خير في ظلا ... ل النّوك ممّن عاش كدّا⁣(⁣٢)


(١) البيت من الطويل، وهو لعروة بن الورد في ديوانه ص ٨٨.

(٢) البيت من مجزوء الكامل، وهو للحارث بن حلزة في ديوانه ص ٤٧، وجمهرة اللغة ص ١٠٠٠، =