الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

المجاز المركب

صفحة 231 - الجزء 1

المجاز المركب

  وأما المجاز المركب فهو اللفظ المركب المستعمل فيما شبّه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه، أي: تشبيه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين أو أمور بالأخرى، ثم تدخل المشبّهة في جنس المشبه بها مبالغة في التشبيه؛ فتذكر بلفظها من غير تغيير بوجه من الوجوه.

  كما كتب به الوليد بن يزيد - لما بويع - إلى مروان بن محمد، وقد بلغه أنه متوقّف في البيعة له: «أما بعد، فإني أراك تقدّم رجلا، وتؤخّر أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا، فاعتمد على أيّهما شئت، والسّلام».

  شبّه صورة تردّده في المبايعة بصورة تردّد من قام ليذهب في أمر، فتارة يريد الذهاب فيقدّم رجلا، وتارة لا يريد فيؤخر أخرى.

  وكما يقال لمن يعمل في غير معمل: «أراك تنفخ في غير فحم، وتخطّ على الماء»، والمعنى: أنك في فعلك كمن يفعل ذلك، وكما يقال لمن يعمل الحيلة حتى يميل صاحبه إلى ما كان يمتنع منه: «ما زال يفتل منه في الذّروة والغارب حتى بلغ منه ما أراد» والمعنى أنه لم يزل يرفق بصاحبه رفقا يشبه حاله فيه حال من يجيء إلى البعير الصعب، فيحكه، ويفتل الشّعر في ذروته وغاربه حتى يسكن ويستأنس، وهذا في المعنى نظير قولهم: «فلان يقرّد فلانا» أي: يتلطف به، فعل من ينزع القراد من البعير؛ ليلتذّ بذلك، فيسكن، ويثبت في مكانه، حتى يتمكن من أخذه.

  وكذا قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ}⁣[الحجرات: الآية ١] فإنه لما كان التقدم بين يدي الرجل خارجا عن صفة المتابع له؛ صار النهي عن التقدم متعلّقا باليدين ميلا للنهي عن ترك الاتّباع.

  وكذلك قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ}⁣[الزمر: الآية ٦٧] إذ المعنى - والله أعلم - أن مثل الأرض في تصرفها تحت أمر الله تعالى وقدرته مثل الشيء يكون في قبضة الآخذ له منّا، والجامع يده عليه. وكذا قوله تعالى: {وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ٦٧}⁣[الزّمر: الآية ٦٧] أي: يخلق فيها صفة الطّيّ حتى ترى كالكتاب المطويّ بيمين الواحد منا، وخصّ اليمين ليكون أعلى وأفخم للمثل؛ لأنها أشرف اليدين وأقواهما، والتي لا غناء للأخرى دونها، فلا يهش إنسان لشيء إلا بدأ بيمينه فهيّأها لنيله، ومتى قصد جعل الشيء في جهة العناية جعل في اليد اليمنى، ومتى قصد خلاف ذلك جعل في اليسرى، كما قال ابن ميّادة: