القول في الإنشاء
  أما «ما» فقيل: يطلب به إما شرح الاسم، كقولنا: «ما العنقاء؟» وإما ماهيّة المسمّى، كقولنا: «ما الحركة؟» والقسم الأول يتقدم على قسمي «هل» جميعا، والثاني يتقدم على «هل» المركبة دون البسيطة، فالبسيطة في الترتيب واقعة بين قسمي «ما».
  وقال السكاكي: يسأل بـ «ما» عن الجنس، تقول: «ما عندك» أي: أيّ أجناس الأشياء عندك؟ وجوابه: إنسان، أو فرس، أو كتاب، أو نحو ذلك، وكذلك تقول: «ما الكلمة؟ وما الكلام؟» وفي التنزيل: {فَما خَطْبُكُمْ}[الحجر: الآية ٥٧]؟ أي: أيّ أجناس الخطوب خطبكم، وفيه: {ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي}[البقرة: الآية ١٣٣] أي: أيّ من في الوجود تؤثرونه للعبادة؟.
  أو عن الوصف، تقول: «ما زيد؟ وما عمرو؟» وجوابه: الكريم، أو الفاضل، ونحوهما.
  وسؤال فرعون: {وَما رَبُّ الْعالَمِينَ}[الشّعراء: الآية ٢٣]؟ إما عن الجنس؛ لاعتقاده - لجهله بالله تعالى - أن لا موجود مستقلا بنفسه سوى الأجسام، كأنه قال: أيّ أجناس الأجسام هو؟، وعلى هذا جواب موسى # بالوصف؛ للتنبيه على النظر المؤدّي إلى معرفته، لكن لما لم يطابق السؤال عند فرعون عجّب الجهلة الذين حوله من قول موسى بقوله لهم: {أَلا تَسْتَمِعُونَ}[الشّعراء: الآية ٢٥]؟ ثم لما وجده مصرّا على الجواب بالوصف إذ قال في المرة الثانية: {قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ٢٦}[الشّعراء: الآية ٢٦]؛ استهزأ به وجنّنه، بقوله: {قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ٢٧}[الشّعراء: الآية ٢٧] وحين رآهم موسى # لم يفطنوا لذلك في المرّتين غلّظ عليهم في الثالثة بقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}[آل عمران: الآية ١١٨]. وإما عن الوصف طمعا في أن يسلك موسى # في الجواب معه مسلك الحاضرين لو كانوا هم المسؤولين مكانه؛ لشهرته بينهم بربّ العالمين، إلى درجة دعت السّحرة إذ عرفوا الحق أن أعقبوا قولهم: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ}[الشّعراء: الآية ٤٧] قولهم: {رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ٤٨}[الشّعراء: الآية ٤٨] نفيا لاتّهامهم أن عنوه، جهله بحال موسى إذ لم يكن جمعهما قبل ذلك مجلس، بدليل (أنه) قال: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ}[الشّعراء: الآية ٣٠] {قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ٣١}[الشّعراء: الآية ٣١] فحين سمع الجواب تعدّاه وتعجب واستهزأ، وجنّن، وتفيهق بما تفيهق من قوله: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشّعراء: الآية ٢٩].
  وأما «من» فقال السكاكيّ: هو للسؤال عن الجنس من ذوي العلم، تقول: من جبريل؟ بمعنى: أبشر هو أم ملك أم جنّيّ، وكذا: من إبليس؟ ومن فلان؟ ومنه قوله